كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

ما فهم فإذا بين له أن الواقعة ليست كذلك بل هي كذا وكذا نظر في حكمها بهذا الاعتبار فكان لها حكم آخر، ولا يقال أن الحكم قد تغير .. ولا يقال أن البيان لحقيقة الواقعة معارضة .. والله أعلم.
ولنأتي بمثال تطبيقي نرد به على القائلين بتقديم المصلحة على النص وهو موقف عمر من أبي بكر في حرب الردة حيث تظهر فيه مقابلة المجتهد النص بالمصلحة التي يحسبها شرعية .. ولننظر أيقبل ذلك منه أم لا؟
روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله".
قال أبو بكر: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها، فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق" (١).
وقد سأل الناس أبا بكر في رد أسامة ليستعين به وبمن معه على قتال أهل الردة فأبى .. والذين سألوه ذلك إنما أرادوا العمل بالمصلحة، إذ المصلحة في الظاهر إبقاء الجيش ليقاتل مع المسلمين أهل الردة بل إن عمر ظن أن المصلحة في ترك قتال أهل الردة، فلما بين لهم أبو بكر أن ما يرونه إنما هو مخالف لما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركوا ماظنوه مصلحة - وهم مجتهدون - وعملوا بما ورد في النص.
وفي هذا دليل على أن المصلحة التي تعارض النص مردودة، وحتى وإن ظن المجتهد أنها مصلحة، وآية قبولها شهادة الشرع لها، فإذا لم يقبلها لم تقبل،
---------------
(١) فتح الباري ١٢/ ٢٧٥.

الصفحة 476