كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

أبو داود بسنده إلى جنادة بن أبي أمية قال: "كنا مع بسر بن أرطاة في البحر فَأُتيَ بسارق يقال له مصدر قد سرق بختية، فقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تقطع الأيدي في السفر ولولا ذلك لقطعته" (١) وفي رواية الترمذي والدارمي "في الغزو" بدل السفر" (٢).
قال صاحب تعليل الأحكام: "هكذا ورد الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجرداً من بيان سبب هذا النهي، فماذا فهم أصحابه فيه من بعده؟ أوقفوا عند النصوص وقصروا النهي على حد السرقة، وقالوا إن الشريعة نصوص تعبدنا الشارع بها، أم فهموا أن هذا النهي معلل بعلة قصد به دفع مفسدة عن الأمة أو جلب مصلحة لها؟ " (٣)
قال د. شلبي: "ولو تأملت هذه التعليلات في تلك الآثار لوجدت اختلافاً حسب اختلاف الأشخاص، فعمر وزيد - رضي الله عنهما - عللا بخوف اللحاق، وهذا يكون في الرجل العادي من الجيش، وأبو مسعود وحذيفة لم يعللا بذلك لأن مثل أمير الجيش لا يلحق بالعدو عادة، بل يطمع العدو فيهم ويظهر ضعفهم أمامه إذا أقاموا عليه الحد، وإن كان الكل يلتقي عند شيء واحد وهو لحوق الضرر بسبب ذلك الفعل ... وهذا التعليل لم يخالف نصاً ولا قياساً ولا إجماعاً، وليس فيه إلا تأخير الحد لمصلحة راجحة، أما من حاجة المسلمين إليه أو من خوف ارتداده ولحوقه بالكفار، ومثل هذا التأخير لعارض أمر وردت به الشريعة كما يؤخر الحد عن الحامل والمرضع وعن وقت الحر والبرد والمرض، وهو لمصلحة المحدود خاصة، فما بالك بما هو لمصلحة الإِسلام عامة؛ فهذا النوع ورد الحكم فيه غير معلل فعللوه بما يترتب على الفعل من ضرر" (٤).
---------------
(١) مختصر سنن أبي داود مع معالم السنن للخطابي رقم ٤٢٤٦.
(٢) سنن الترمذي رقم ١٤٧٤.
(٣) تعليل الأحكام ٣٦.
(٤) تعليل الأحكام ٣٧.

الصفحة 478