كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

مناقشته: أسلم للمؤلف ما ذكره من هذه الروايات، وأخالفه في النتيجة التي رتبها على ذلك ..
وبيان ذلك: أن المسألة الفقهية وهي "أن الحدود لا تقام في أرض العدو، منقولة عن الصحابة وهو مذهب الأوزاعي وإسحاق وأحمد، وقال الشافعي يؤخره حتى يأتي الإِمام لأن إقامة الحد إليه (١).
واستدل من قال بالتأخير بالأدلة التي سبق ذكرها وهي حجة لهم (٢)، وهو الصحيح .. وبقي أن نتعرف على سند هذه المسألة هل هو المصلحة المجردة؟ وهل يؤدي القول بأن الحدود لا تقام في أرض العدو إلى تغير الحكم الذي دل عليه النص الشرعي وهو وجوب إقامة الحدود؟
والجواب أن سند هذه المسألة هو القاعدة المعروفة بقاعدة "سد الذرائع" وهي قاعدة عمل الصحابة والسلف الصالح بها، قال الإِمام الشاطبي: "إن قاعدة الذرائع إنما عمل السلف بها بناء على هذا المعنى كعملهم في ترك الأضحية مع القدرة عليها وكإتمام عثمان الصلاة في حجه بالناس وتسليم الصحابة له في عذره الذي اعتذر به من سد الذريعة (٣) إلى غير ذلك من أفرادها التي عملوا بها، مع أن المنصوص فيها إنما هو أمور خاصة كقوله تعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا. . .} (٤).
وقوله: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} (٥).
---------------
(١) انظر المغني ٣٠٨.
(٢) المغني ٣٠٨ - ٣٠٩، تعليل الأحكام ٣٦ - ٣٧.
(٣) انظر ما سبق ص ٣٥٨.
(٤) سورة البقرة: آية ١٠٤. وقد كان المسلمون من قولهم: "راعنا" الخير فاستعمله اليهود (٠) وهم يقصدون به الشر، يقصدون فاعلًا من الرعونة، فنهى الله المؤمنين عن ذلك، تفسير ابن كثير ١/ ١٥٠ وأعلام الموقعين ٣/ ١٣٧.
١/ ١٥٠ وأعلام الموقعين ٣/ ١٣٧.
(٥) {فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} ١٠٨ - الأنعام.

الصفحة 479