كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

وقرر الإِمام الشاطبي على هذا أن الإِمام الشافعي والإِمام أبا حنيفة يعتبران سد الذريعة، وما وقع الخلاف فيه من المسائل الجزئية لا يدل على عدم اعتبار هذه القاعدة عندهم، بل امتنع دخول بعض المسائل تحتها لوجود عارض يمنع من ذلك (١)، وهذا ما قرره الدكتور حسين حامد حسان في كتابه نظرية المصلحة حيث استند على أدلة كثيرة في بيان أن الشافعي وأبا حنيفة وأحمد يسدون الذريعة فقال: "والخلاصة أن قاعدة الذرائع قاعدة متفق عليها بين الأئمة" (٢) ..
فإذا انضاف إلى ذلك عمل السلف بها من الصحابة ومن بعدهم تقرر عند المجتهد أن هذه القاعدة تدخل تحتها مفردات كثيرة ومن هذه المفردات مسألتنا هذه وهي منع إقامة الحدود في أرض العدو، وهذا من تطبيقات سد الذرائع فهو في الأصل فعل مأذون فيه بل يجب تطبيق الحدود إذا تحققت الشروط الشرعية، ومنع تطبيق الحدود في الغزو سداً للذريعة الفساد، وهذا الفساد متحقق إما في لحوق المحدود بالعدو وإما بطمع الأعداء في المسلمين إن كان الحدود أميراً فيهم (٣).
فرجوع هذه المسألة إلى قاعدة سد الذرائع المعمول بها عند الصحابة والتابعين والأئمة هو السند الحقيقي لها.
ولا تفتقر بعد ذلك إلى نص خاص ولا قياس ولا إجماع .. فمنع إقامة الحدود في أرض العدو ليس مستنداً إلى مصلحة مجردة، وليس مؤدياً إلى تغير الحكم الذي جاءت به النصوص وهو إقامة الحدود .. بل حاصل ما في الأمر أن إقامة الحدود واجبة وهو حكم ثابت لا يتغير، ومن شروط تطبيقه أن تنتفي الشبهة كما مر سابقاً، وأن تؤخو الحامل والمرضع ولا يكون الوقت شديد الحر أو شديد البرد وأن لا يكون في أرض العدو ..
---------------
(١) المصدر السابق ٣/ ١٩٣.
(٢) ٢٢٦، وانظر ٢٠٠، ٣٩١، ٥٠٩.
(٣) انظر أعلام الموقعين ٣/ ١٤٣ - ١٥٤ ونظرية المصلحة ٢٢٧.

الصفحة 481