كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

فإذا عُلم المعنى الذي من أجله شُرع الحكم، وغلم وجوده في الفرع، عُرف هذا المعنى بطريق من طرق الاستنباط المعلومة ..
أما أن فريقًا من العلماء قال أن المعاملات تتبع المصالح، والمصالح فقط وهي الميزان الصحيح، لأن الشارع نظر في تشريعه للمعاملات من جهة تحصيل المصالح، فهذا أمر لم ينسبه المؤلف إلى أحد من العلماء، وإنما هو مذهب الطوفي، الذي حاول الانتصار له بنصب هذه المسألة للبحث (١).
والصواب كما تبين من قبل، أن الأئمة المجتهدين - نظروا في المعاملات فوجدوا أن الأصل فيها الالتفات إلى المعاني، فإذا علموا معنى معتبرًا في الشرع عدوه إلى الفرع بطريق معتبر من طرق الاستنباط.
أما اتباع المعاملات المصالح فقط وبلا ضبط فهذا لم يقل به أحد من العلماء كما أشرت آنفًا، وما زعمه المؤلف فيما سبق أن الضبط أمر مخترع قد تبين بطلانه، وهو ما يزال يجادل على ذلك، ويستنكر أن تخضع المصالح إلى ضبط المسالك المعلومة في أصول الفقه، كما سيأتي معنا في مناقشته لكلام الشاطبي مع أنه لم ينسبه إليه.
وإذا علم هذا - تبين خطؤه في قوله: وهذا القدر اتفق عليه العلماء، ومقصوده بالقدر الذي اتفق عليه العلماء هو أن العبادات قصد بها الشارع الامتثال أولًا وآخرًا ولا دخل لاعتبار المصالح فيها، وأن المعاملات شرعت أولًا من جهة تحصيل المصالح للأنام وهو الأصل فيها.
بقي أن نقف عند قوله: "فمنهم من يخرج بها عن التعبد ويجعل الميزان الصحيح هو المصالح فقط بيد أنه لا يدعي خروجها عن التشريع، بل يعترف
---------------
(١) قال المؤلف بعد أن دافع عن شذوذ الطوفي ٢٩٥: "وإذا أردنا أن نحكم على هذا الرأي حكمًا صحيحًا بالقبول أو الرفض، وجب علينا أن نعرض لمسألة أخرى هي كالأساس لما نحن فيه، وهي هل نظر الشارع للمعاملات ملاحظ فيه التعبد أو مجرد عن ذلك، وهو موضوع البحث الآتي" ٢٩٦ ثم نصب هذه المسألة التي أنا الأن بصدد مناقشته فيها، وأشرت إلى هذا ليعلم القارئ شدة حرص المؤلف في الانتصار لشذوذ الطوفي.

الصفحة 507