كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

أنه ماض فيها، ولكن من هذا الطريق حسبما أرشدنا الشارع إجمالًا وتفصيلًا (١). ويقصد بذلك أن هذا الفريق من العلماء يوافقه على أن المعاملات تتبع المصالح فقط وهو الميزان الصحيح، وهذا واضح من عبارته ..
أما الطريق الذي نعرف به هذه المصالح فيحتاج إلى بيان، فإن كان مقصوده أن المصلحة لا ينبغي أنْ تخرج عن التشريع، بمعنى أنها لا تكون مصلحة إلّا إذا وافق عليها الشرع فهذا حق، وأن المصلحة هي ما أرشدنا الشارع إليها إجمالًا وتفصيلًا، فما فصلته النصوص من المصالح فلا نحيد عنه، إذ المصلحة متوفرة فيه، وما لم ينص عليه يعرف بمراجعة نصوص الشارع فما شهدت له بأنه مصلحة قبلناه وإن شهدت برده رددناه.
فإن كان هذا مقصوده من هذه العبارة، فالصواب فيه ظاهر ويقتضي هدم ما ردده في رسالته هذه من أن بعض النصوص لا تحقق المصلحة، وأنها لهذا لا بد من تعطيلها مؤقتًا، لأن من الأحكام ما يتبدل بتبدل المصالح، وأن دعوى الأصوليين في اشتراط الضابط أمر مخترع، إلى آخر ما ردده في كتابه.
والظاهر - والله أعلم -كما هو وارد في النصوص التي جاءت بعد ذلك أنه ما زال ينافح عن دعواه السابقة (٢)، وأن عبارته هذه ما هي إلّا علامة بينة على اضطرابه، إذ يقال له: إذا كانت المصلحة لا تخرج عن التشريع، فما بالك تصرح بأن النص قد لا يحقق المصلحة، وأن هذا يقتضي تعطيله مؤقتًا، وإذا كان الطريق الذي تعرف به المصالح في المعاملات هو طريق الشارع إجمالًا وتفصيلًا، فما بالك تصرح بأن الضبط أمر مخترع عند الأصوليين، وحاصل ما عندهم هو أن المصلحة لا بد من اعتبارها، إذا أرشدنا إليها الشارع إجمالًا كأن يشهد لها بالاعتبار، فإن لم يشهد لها فلا تعتبر، لأنا لم نعرف طريقا شرعيًّا يعتبرها.
---------------
(١) رسالة التعليل ٢٩٧.
(٢) إضافة إلى ما نقلته سابقًا. انظر ما ورد بعد ص ٢٩٧ مثل ٢٩٩، ٣٧٠.

الصفحة 508