كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

المصلحة منه، ويريد أن يعديها إلى غير محلها فهو مخطئ وأمره مردود عليه لأنه لا سبيل إلى إدراكها.
الثاني: "ما يمكن الوصول إلى معرفته بمسالكه المعروفة كالإِجماع والنص والإشارة والسبر والمناسبة وغيرها - وهذا القسم هو الظاهر الذي نعلل به ونقول أن شرعية الأحكام لأجله" (١).
وهذه الضوابط المذكورة هنا هي من معنى قول الشاطبي سابقًا "ومن ههنا أقرت هذه الشريعة جملة من الأحكام".
نعم لابد من الإِقرار من الشارع، وقد علمنا أنه قد كفنا عن طلب القسم الأول، وأمرنا بالقياس على القسم الثاني، والعمل به شريطة أن لا يخالف إجماعًا أو نصًا ذلك أن الإِجماع والنص .. وغيره هي الطرق التي بها تعرف المصلحة وهي الدلالة عليها فكيف يتصور أن تعارضها المصلحة أو تطلب خارجًا عنها.
وإذا تحصل مقصود الشاطبي ننظر بعد ذلك في صنيع الدكتور الشلبي فإنه ذكر هذا الدليل مختصرًا فقال:
"إنّ أرباب العقل في زمن الفترات قد اعتبروا المصالح في كثير من العادات، فلما جاءت الشريعة أقرت منها الشيء الكثير، وعدلت ما انتابته عوامل متنازعة من الإِصلاح والإِفساد، ولم تبطل إلّا ما كان منشؤه هوى النفوس وطغيان الشهوات، وأما عباداتهم فضلت فيها عقولها ولهذا هدمت الشريعة غالبها إلا ما نقل لهم من شريعة الخليل - عليه السلام -" ثم قال إن هذا القدر اتفق عليه العلماء (٢).
والفارق بين معالجة الإِمام الشاطبي لهذه المسألة ومعالجة الشلبي واضح جدًا، فإن الإِمام الشاطبي بيّن إلتفات الشارع إلى المعاني في باب العادات فإذا
---------------
(١) المصدر السابق ٢/ ٢٣٠.
(٢) الموافقات ٢٩٧.

الصفحة 514