كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الفقهاء من بعدهم، وما يقوله الأستاذ صبحي الصالح هنا يأخذ الحكم نفسه.
وإن مما يعفيه من هذه المؤاخذة أن يقيد تفسيره للمصلحة المرسلة بما أشرت إليه سابقًا من كلام الأئمة، فليس عند فقهاء السلف مصلحة مرسلة (مطلقة من كل قيد إلّا قيد النفع) إن هذه المصلحة هي المصلحة التي تدور عليها القوانين الوضعية كما يقول الباحث، والشرط الذي تضيفه الشريعة هنا هو أن تشهد نصوصها الجزئية أو الكلية لهذا النفع بعدم الرد، ذلك أن هذه الشريعة وضعت في الأصل لتكون صراطًا مستقيمًا يهتدي به الناس، ومن مقتضى اهتدائهم بها أن يستشهدوها على ما يظنونه "نفعًا" فإن شهدت بأنه كذلك ولم ترده فهو كذلك، ويترتب على ذلك أن يتبعوه ويعتبروه، لأن الشريعة أمرتهم بذلك، ومن هنا يتحقق الخير وتتحقق العبودية وذلك باتباع هذه الشريعة، وإن لم تشهد له بل ردته، فهو حينئذ ليس "نفعًا" ويجب عليهم أن يبتعدوا عنه مهما شهدت له العقول القاصرة والعادات المتكاثرة، أما أن يقال المصلحة المرسلة - التي أمرت الشريعة باتباعها - هي المطلقة من كل قيد إلّا قيد النفع - ثم نتبع ما يقال أنه "نفع" فليس ذلك بصواب، ولا يضرنا إذا اهتدينا أن تتبع القوانين الوضعية المصلحة التي أطلقت من كل قيد إلّا قيد النفع، لا يضرنا ذلك لأن هؤلاء القانونيين ليس عندهم صراطٌ مستقيمٌ من لدن العزيز الحكيم يهتدون به، بل غاية ما عندهم اتباع الأعراف والعادات والأفكار البشرية، فالنفع عندهم ما حددته أعرافهم وعاداتهم وعقولهم والنفع عندنا ما لم ترده الشريعة وهذا فرق عظيم بيننا وبينهم، ولا يضرنا من ضل إذا اهتدينا، كما قال تعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (١).
وكان ينبغي - على الباحث أن يختم بحثه بما ذكره هو نفسه من شروط الفقهاء (٢)، لا أن يختم بحثه بما يتبعه القانونيون من المصلحة.
---------------
(١) سورة المائدة: آية ١٠٥.
(٢) انظر معالم الشريعة الإِسلامية ٦٣.

الصفحة 524