كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

وما ذكره من شروط الفقهاء لاتباع المصلحة يرجع في النهاية إلى اشتراط عدم معارضة الشريعة لها، فإذا لم تشهد الشريعة بالرد فقد أصبح لتلك المصلحة موضعًا فيها، ولو أكد على ذلك وختم به بحثه لعلم حينئذ أن المرسلة ليست هي المطلقة من كل قيد إلّا قيد النفع، بل هي التي لا تعارض الشريعة، وليس النفع هو ما يحدده البشر بل هو ما يحدده رب البشر ..
وبهذا الذي أقول كان يمكنه تفسير ما ذهب إليه عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وما قاله ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين.
ولقد تحدثنا عن مسألة عدم قطع الأيدي في الغزو وفي عام المجاعة، وما بنا حاجة إلى إعادته، وتقرر هناك أن هذا ليس فيه تغيير ولا اتباع لمصلحة مطلقة من شهادة الشرع (١) - ولا مطلقة من كل قيد إلّا قيد النفع - ليس شيء من ذلك كله، بل إن ذلك تحقيق مناط الأدلة الشرعية بدون تقديم ولا تأخير ولا تبديل ولا تغيير - وأما عدم إنكار المنكر إذا أدى إنكاره إلى منكر أعظم منه فذلك إعمال لقاعدة سد الذريعة، وقد سبقت الإِشارة إليها (٢).
ونحن مع جميع هذه الأمثلة وغيرها نجزم أن ذلك الاجتهاد من الصحابة والتابعين وأئمة السلف من الفقهاء من بعدهم، ليس فيه تغيير ولا تبديل، ولا اتباع لمطلق النفع، أو العرف والعادة، أو الاحتكام إلى العقل، بل هو اتباع لهذه الشريعة وتحقيق لمناطات أحكامها.
مناقشة الأمر الثاني:
وهو ما نسب إلى الإِمام الشاطبي من أن الأحكام المدنية، غير منزلة على وقائع الكليات المقررة بمكة، وأنها تخالفها من حيث البقاء، وأناقش هذه النسبة من خلال نصوص الإِمام الشاطبي ومن كتابه الذي اعتمد "صاحب رسالة تغير الأحكام " على نص واحد منه ولم يتبين المعنى الحقيقي له (٣).
---------------
(١) انظر ما سبق ص ٤٧٠.
(٢) انظر ما سبق ص ٣٥٨.
(٣) قارن صنيعة هذا بصنيع صاحب كتاب تعليل الأحكام - انظر ص ٣٩٥.

الصفحة 525