كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

ولا بأس بأن نتذكر بعض المعالم البارزة في منهج الإِمام الشاطبي والتي أشرت إليها من قبل ومنها:
١ - إدراكه العميق لحاكمية هذه الشريعة وثباتها وشمولها وأنها قطعية.
٢ - إدراكه لخطورة مسلك المبتدعة وأنه مؤد إلى رفع الضوابط الشرعية وتحكيم العقل والهوى في الشريعة ومن ثم مؤد إلى تبديلها وتغيرها كلها أو بعضها.
وأضيف هنا ما يكشف حقيقة ما نسب إليه، وأبدأ بنقل النص نفسه الذي اعتمده "صاحب رسالة تغير الأحكام" مع الإشارة إلى موضع آخر من كتاب الموافقات ولا بد من نقل النص كاملًا مع ما فيه من طول (١):
يقول الإِمام الشاطبي في معرض حديثه عن بعض معالم منهج التربية الإِسلامية وعن حقيقة الاجتهاد الخاص بالعلماء، والعام لجميع المكلفين:
"إن المشروعات المكية - وهي الأولية كانت في غالب الأحوال مطلقة غير مقيدة وجارية على ما تقتضيه مجاري العادات عند أرباب العقول، وعلى ما تحكمه قضايا مكارم الأخلاق من التلبس من كل ما هو معروف في محاسن العادات، والتباعد عن كل ما هو منكر في محاسن العادات، فيما سوى ما العقل معزول عن تقريره جملة من حدود الصلوات وما أشبهها، فكان أكثر ذلك موكولًا إلى أنظار المكلفين في تلك العادات، ومصروفًا إلى اجتهادهم، ليأخذ كل بما لَاقَ به وما قدر عليه من تلك المحاسن الكليات، وما استطاع من تلك المكارم في التوجه بها للواحد المعبود من إقامة الصلوات فرضها ونفلها، حسبما بينه الكتاب والسنة، وإنفاق الأموال في إعانة المحتاجين، ومواساة الفقراء والمساكين، من غير تقدير مقرر في الشريعة، وصلة الأرحام قربت أو بعدت على حسب ما تستحسنه العقول السليمة في ذلك الترتيب ومراعاة حقوق الجوار، وحقوق الملة الجامعة بين الأقارب والأجانب، وإصلاح ذات البين بالنسبة إلى جميع الخلق، والدفع
---------------
(١) لأن ذلك ضروري لتصحيح ما نسبه الباحث إلى الشاطبي.

الصفحة 526