كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

"الفروع" هي التي لحقها النسخ. وتسمى "شرعة"، وأما التوحيد فلم يلحقه نسخ البتة إذ لا يتصور فيه ذلك، ويدل على ذلك حديث أبي هريرة كما رواه البخاري "قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء أخوة لعلّات (١) أمهاتهم شتى ودينهم واحد" (٢).
قال الإِمام ابن كثير عند تفسير آية الشورى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية "أي القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم كقوله جل جلاله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (٣).
ثالثاً: إطلاق لفظ "الشريعة" على التوحيد وسائر الأحكام، قال الإمام القرطبي "فالشريعة ما شرع الله لعباده من الدين" (٤)، وقال في موضع آخر: "ولا خلاف أن الله تعالى لم يغاير بين الشرائع في التوحيد والمكارم والمصالح وإنما خالف بينهما في الفروع حسب علمه سبحانه" (٥).
وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية: "والشريعة إنما هي كتاب الله وسنّة رسول الله ... " (٦) وحكاه عن الأئمة الفقهاء وعامة أهل الحديث (٧)، وهذا
---------------
(١) معنى إخوة لعلّات: أي أبوهم واحد وأمهاتهم شتى.
(٢) فتح الباري على صحيح البخاري في أحاديث الأنبياء ٦/ ٤٧٨.
(٣) تفسير ابن كثير ٩/ ١٠٤، وانظر جامع البيان ٥/ ٢٧٢.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٦/ ١٦٣ - ١٦٤.
(٥) المصدر نفسه ١٦/ ١٦٣ - ١٦٤.
(٦) و (٧) مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية ١٩/ ١٣٤، ٣٠٦، ٣٠٧.
وتمام النص هو: "والشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه سلف الأمة في العقائد والأحوال والعبادات والأعمال والسياسات والأحكام والولايات والعطيات"، ومقصود ابن تيمية أن الشريعة "هي الكتاب والسنّة" وأنه لا يخرج شيء عنها، وبيّن أن ما كان عليه السلف .. كله راجع إليها، فمنها استمد السلف جميع الأحكام في الأعطيات والولايات،، ويدل على هذا التفسير ما قاله شيخ الإِسلام في موضعين آخرين: الأول: قوله: "الشرع المنزّل وهو الكتاب والسنّة" ثم بين وجوب رد جميع =

الصفحة 53