كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

والمعنى الفاسد الذي استنتجه الباحث هو كما قال: "إن الأحكام المدنية منزلة في الغالب على وقائع غير الكليات المقررة لمكة ... " (١)، وأنها تخالفها من حيث الثبات (٢).
ودخل عليه الفساد من أوجه عدة منها:
١ - عدم ملاحظته للمعنى الجلي الذي يدل عليه كلام الشاطبي ومنه:
(١) أن الأحكام الكلية بمكة والجزئية بالمدينة أصبحت بعد انقطاع الوحي قانونًا مطردًا وأصلًا ثابتًا إلى يوم القيامة (٣).
(ب) أن الأحكام المدنية الجزئية إنما جاءت لتكون تمامًا لتلك الكليات المكية المتقدمة (٤).
٢ - عدم ضبطه لمعنى النص وذلك لزيادته فيه عبارة أخلت بالمعنى المقصود عند الشاطبي، فالنص الذي في الموافقات هو: "وأما الأحكام المدنية فمنزلة في الغالب على وقائع لم تكن فيما تقدم" وبالمقارنة مع استنتاج الباحث يتبين أنه أدخل فيه معنى زائد وهو قوله: "وقائع غير الكليات المقررة بمكة" وخطأه يعرف بأن نفرق بين ارتباط الأحكام المدنية بالكليات المكية، وبين عدم تنزل الأحكام المدنية على وقائع مكية، وذلك يعرف بالوجهين الثالث والرابع.
٣ - عدم فهمه لمقصود الإِمام الشاطبي من التفريق بين المكي والمدني في هذا الموضع ومقصوده أمران:
(أ) أن أحوال الصحابة - رضوان الله عليهم - في مكة من حيث قلة العدد وانشغالهم الكامل بإقامة الحق، وكونهم قاعدة الحق الذي أشرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - على تربيتها بنفسه، وكونهم في أعلى المنازل عبادة وجهادًا، وكونهم مطاردين معذبين، يتوقد إيمانهم ويتوهج، وهم في
---------------
(١) انظر ما سبق ص ٥٢٢.
(٢) انظر ما سبق ص ٥٢٢.
(٣) الموافقات ٤/ ١٥٥.
(٤) الموافقات ٤/ ١٥٤.

الصفحة 531