كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

ذات الوقت متحابون متآلفون لم يخالطهم مخلط ولا منافق فكانت أمورهم حينئذ تجري على الصلاح والتوفيق، والأخذ بالعزائم والإِيثار والصبر، فلم يكن بينهم ما يتقضى نزول الأحكام الخاصة لفض المنازعات والخصومات، لأن وقائعها لم تكن في الغالب في المرحلة المكية، ثم كانت بعد في المرحلة المدنية.
(ب) أن هذا لا يعني أن ما نزل بالمدينة لم يكن له صلة بالكليات المكية، كلًا ومما يؤكد ارتباط ما بينهما ما ذكر الشاطبي مفصلًا من أن الأحكام التي نزلت بالمدينة ترجع إلى الأصول المكية (١).
وتفسير كونها مرتبطة بتلك الأصول مع أنها لم تكن لها وقائع بين الصحابة يسير جدًّا والحمد لله، فالمنازعات والخصومات التي نزلت بخصوصها أحكام في المدينة مرتبطة بالكليات المكية وإن لم توجد بين الصحابة بالمرحلة المكية، وارتباطها يظهر من أن المنازعات والخصومات فيها ظلم واعتداء ولا شك، فنزلت لها تفصيلات مدنية، وأصلها في مكة موجود وذلك في الكليات التي تنهي عن الظلم والبغي والعدوان. ومن هنا تكون مرتبطة بالكليات المكية، وتكون غير واقعة بين الصحابة في المرحلة المكية، ومن هنا يصح قول الشاطبي: "وأما الأحكام المدنية فمنزلة في الغالب على وقائع لم تكن فيما تقدم من بعض المنازعات والمشاحات"، ومن هنا نعلم مقصده -رَحِمَهُ اللهُ-، وتبين لنا أنه لم يفرق في الثبات بين ما نزل بمكة وما أنزل بالمدينة، أي بين الكليات والجزئيات ولا بين ما يدخله الاجتهاد الخاص، ولا بين ما يدخله الاجتهاد العام.
٤ - عدم فهمه لقول الشاطبي: " ... فالأصول الأول باقية لم تتبدل ولم تنسخ لأنها في عامة الأمر كليات ضروريات وما لحق بها، وإنما وقع النسخ أو البيان على وجوهه عند الأمور المتنازع فيها من الجزئيات لا الكليات" (٢).
---------------
(١) انظر الموافقات ٤/ ١٥٥.
(٢) ٤/ ١٥٥.

الصفحة 532