كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

فليس فيه ما يدل على أن الجزئيات يقع عليها التغير بعد انقطاع الوحي، وحاصل ما فيه أن النسخ وقع بالمدينة ولم يقع بمكة.
أما بعد انقطاع الوحي ووفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا نسخ ولا تغيير لا في الكليات ولا في الجزئيات .. وإليك ما قاله الإِمام الشاطبي وقد سبق:
يقول -رَحِمَهُ اللهُ- وهو يتحدث عن أوصاف الشريعة: "الثبوت من غير زوال فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخًا، ولا تخصيصًا لعمومها، ولا تقيدًا لإطلاقها ولا رفعًا لحكم من أحكامها لا بحسب عموم المكلفين ولا بحسب خصوص بعضهم، ولا بحسب زمان دون زمان ولا حال دون حال، بل ما أثبت سببًا فهو سبب أبدًا لا يرتفع وما كان شرطًا فهو أبدًا شرط، وما كان واجبًا فهو واجب أبدًا، أو مندوبًا فمندوب، وهكذا جميع الأحكام فلا زوال لها ولا تبدل ولو فرض بقاء التكليف إلى غير نهاية لكانت أحكامها كذلك" (١).
وبهذا يتبين الصبح لكل ذي عينين، لنعلم بعد ذلك أن ما نُسب إلى هذين الإِمامين الجليلين الشاطبي وابن القيم ليس بشيء وإن إلصاق ما يسمى "بقاعدة تغير بعض الأحكام بتغير الزمان" بهما لا دليل عليه بل شُبه على هذين الباحثين كما شُبه على غيرهما، ودعوى اتباع المصالح أو الأعراف أو العوائد لا تصلح لتأسيس هذه "القاعدة" المحدثة، ولا بد أن يعلم جميع الخلق علماؤهم وعوامهم أن جميع الأحكام التي جاءت بها هذه الشريعة لا زوال لها ولا تبدل ولا تغير في جميع العصور والأزمان.
وإنّ في هذه الشريعة المباركة منهجًا أصيلًا يحدد موقفها من إصلاح المجتمعات البشرية، وجميع ما فيها من انحرافات كلية أو جزئية - سواء انتشرت هذه الانحرافات تحت دعوى اتباع المصالح، أو اتباع العادات والأعراف.
ونختم هذه الدراسة ببيان موقف الشريعة من إصلاح عادات البشرية وأعرافها، وكيف حددت للناس طريق التعرف على المصالح الحقيقية.
---------------
(١) ١/ ٤١.

الصفحة 533