كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

الجاهلية وأعرافها التي نشأوا عليها، من عبادة غير الله، كعبادة الأصنام، والتشريع من دون الله، وغير ذلك من أحكام وعادات الجاهلية كالتبايع بالربا، ولعب الميسر، والتبني وزواج الأخدان، ونحو ذلك، فلما استقام أصحابه - رضوان الله عليهم - على الحق ولم تعد تتحكم فيهم العادات والأعراف الجاهلية، كانت وجهتهم هذه الشريعة بأحكامها العامة والخاصة، إليها يتحاكمون وبها يوقنون، فأخضعوا مجتمعهم بجميع ما يجدّ فيه من أعراف وعادات - نتيجة إلتقائهم بالأمم الأخرى لهذه الشريعة، وعلموا أنها هي المصلحة والعدل، ولم يمنعهم من ذلك انتشار تلك الأعراف والعادات وتأصلها في الأمم الأخرى، بل أقاموا الملة دون التفاتٍ إلى ذلك، وهذا هو منهجهم القويم في نشر الإِسلام وتحكيم الشريعة، ولهم في رسول الله قدوة حسنة، وفي صاحبه وخليفته أبي بكر - رضي الله عنه - من بعده، فإنه قد أقام الملة ولم يلتفت إلى العوارض الطارئة، كما قال الإِمام الشاطبي في الاعتصام (١)، وذلك منهم جهاد محمود وسنّة متبعة، لو استمسك بها المسلمون من بعدهم لاستقام أمر الدين وصلح حال الخلق، وقد حفظ سيرة الراشدين فقهاء الأمة المعتبرون من السلف الصالح، حيث حكموا الشريعة على الأعراف والعادات، فاشترطوا لقبول العادة الجارية بين الخلق والأعراف المتمكنة فيهم عدم مخالفتها لأحكام الشريعة الإِسلامية، ولا عليهم بعد ذلك من اجتماع الخلق على عرف أو عادة، فإن العبرة ليست بما يقرره المخلوقون (٢)، بل العبرة بما يقرره خالقهم، ولم يعتبر الفقهاء ما يراه الخلق مصلحة أو عرفًا حسنًا أو عادة مقبولة إذا كانت تعارض حكمًا من أحكام الشريعة، ولم يضرهم ويفت في عضدهم غلبة تلك الأعراف أو العادات، كما لم يفت في عضد أبي بكر - رضي الله عنه - غلبة أهل الردة وما أرادوا إقراره من
---------------
(١) الاعتصام ٢/ ٣٥٦.
(٢) بل العبرة بما تقرره هذه الشريعة، ومن العجب أن كثيرًا من الناس يريدون من هذه الشريعة شمولًا يناسب انحرافاتهم، ويطلبون منها أحكامًا تناسب أصولهم العقائدية ومقاصدهم المنحرفة، والشريعة لم ينزلها الله لذلك وإنما أنزلها كما قلنا من قبل ليختارها الناس ويسلّموا لنهجها الرباني لا ليشترطوا عليها.

الصفحة 536