كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

الباطل وتغيير بعض أحكام الشريعة بدعوى تغير الحال بوفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومجيء زمن آخر وهوعهد أبي بكر - رضي الله عنه -، بل اجتهد أبو بكر ما استطاع في إقامة الملة وحفظ أحكام الشريعة، ولم يقبل من أهل الردة تغيير حكم من أحكامها ولا الامتناع عنه حتى ولو كان عقالًا كانوا يلتزمون بتقديمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي كانوا يعتبرونه دينًا ولم يعتبر الخليفة الراشد أبو بكر - رضي الله عنه - العوارض الطارئة، من ارتداد العرب واجتماع الروم على حدود الجزيرة، ومشورة بعض المجتهدين حيث ظن أن المصلحة في ترك قتال بعض العرب - الذين أرادوا تغيير بعض أحكام الشريعة وامتنعوا عن الالتزام بها، لم يعتبر أبو بكر - رضي الله عنه - شيئًا من ذلك البتة (١) بل صبر - رضي الله عنه - على إقامة الملة والمحافظة على أحكام الشريعة وعدم التفريط في حكم منها، حتى اجتمعت معه على الحق القلوب، ونصر الله به هذه الشريعة، ولم يجد المغيرون لبعض أحكامها والممتنعون عن ذلك طريقًا إلى تحقيق مقاصدهم، وقد استن الفقهاء من السلف بهذا الفقه العظيم من أبي بكر - رضي الله عنه - وحافظوا على أحكام الشريعة، وهذا الذي ينبغي أن يصير إليه علماء المسلمين في العصر الحاضر، فيحكّموا الشريعة على عادات وأعراف الجاهلية الحديثة المتمثلة في أفكار وعقائد ومذاهب فكرية وقوانين وضعية مخالفة للشريعة الإِسلامية، صدرها إلينا الغزو الفكري الحديث فما قبلته الشريعة فهو الحق (٢)، وما أبطلته فهو الباطل ولو اجتمع عليه عقلاء الأمم وحكماؤها، إنّ على علماء المسلمين أن يعلموا علم اليقين أن هذه الشريعة إنما جاءت لتصحح للبشرية كافةً جميع ما عرفته وتعودته من مفاهيم وعقائد وأحكام وأخلاق، جاءت لتفرق بين الحق والباطل، والإِسلام والجاهلية، والمصلحة والمفسدة، والمعروف والمنكر، هذه مهمتها، وهذه هي مهمة العلماء القائمين بحقها:
---------------
(١) الاعتصام ٢/ ٣٥٦، ٣٥٧.
(٢) ويصبح حينئذ من الشريعة لا باعتبار أنه حكم وضعي بشري بل بإعتبار أنه من الشريعة لأنها أقرته واعتبرته ولم ترده وإلّا لم يكن له شرعية.

الصفحة 537