كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (١).
وبهذا الحق الذي تدعوا إليه هذه الشريعة والذي إلتزمه الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون من السلف الصالح تسقط تلك الاعتبارات الزائفة والأفكار الدخيلة فلا عبرة بمبدأ ولا عقيدة ولا مذهب ولا عرف ولا عادة تخالف هذه الشريعة، ولو ظنه أهل الأرض بعقولهم المجردة خيرًا ومصلحة، ولا يقال أن أهل الأرض لا يمكن أن تفوتهم المصلحة والخير، لأنا نقول قد فاتهم ذلك، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلّا بقايا من أهل الكتاب" (٢) فهؤلاء جملة العرب والعجم ولم تسعفهم عقولهم بمعرفة المصلحة والخير، بل كانوا على ضلالة وبدع وانحراف في العقيدة والأحكام والأخلاق، ولم ينج من ذلك إلّا من كان لهم مصدر رباني يستقون منه ويرجعون إليه، ولا يقال أن من بعدهم من الأمم أعقل منهم، بل الناس في ملكة العقل مشتركون، ولم يمنع العقل البشرى في هذا العصر سقوط أكثر البشرية في جاهليات أقبح وأشنع من جاهلية العرب والعجم قبل الرسالة، إن العقل البشري لا يمكن أن يستقل بإدراك مصلحته ومن ثم لا يمكن أن يحدد منهج الحياة الطيبة المستقيمة، وإن فيما تقرر في ثنايا هذا البحث من أن الله سبحانه هو الذي ينزل العقائد والأحكام، وهو أعلم بمصلحة خلقه، والخلق لا يعلمون إلّا ما علمهم الله (٣)، وأنه ليس لأحد كائنًا من كان لا أمة ولا هيئة ولا كبير ولا صغير أن يعارض حكمًا من أحكام الشريعة، ولا أن يقدم عليه عرفًا أو عادة أو ما يزعم أنه مصلحة، لا في العقيدة ولا في الشريعة، وتستوي في ذلك أحكام الصلاة والجهاد، والأموال والدماء، وأحكام العلاقات الداخلية
---------------
(١) سورة الأحزاب: آية ٤.
(٢) رواه مسلم عن عياض بن حمار، في كتاب الجنة باب الصفات التي يُعْرفُ بها في الدنيا أهل الجنة ٤/ ١٩٧، وأحمد في المسند ٤/ ١٦٢.
(٣) حتى في عالم المادة فقد جعل الله لها أسبابًا ودلهم عليها في كل زمن حسب قدراتهم، وما يحتاجون إليه، وأما أمر عقيدتهم وشريعتهم فقد أكده بإرسال الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام وأنزل الشريعة الخاتمة.

الصفحة 538