كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

بين هذه الأحكام أو تلك، لأن ضابط شرعية المصلحة إما أن يكون حكم الشرع، أو حكم العقل أو مجموعهما، فإن كان حكم الشرع، راجعنا إلى الحق الذي جاء به الإِسلام وعمل به الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون.
وإن كان هو العقل - فلا وجه للتفريق بين مصلحة ومصلحة وبين جانب من الشريعة وجانب آخر، فلعل العقل يغير أحكامها جميعًا فتكون الحجة له حينئذ والعقول متفاوتة فمنها ما سيحكم بتغير أحكام المعاملات، وبعض العقول يغير العبادات وهكذا، وإذا جاز إبطال حد واحد جاز إبطال سائر الحدود كما قال الشاطبي - وقد سبق (١).
فإن قيل علمنا التفريق بين ما يمكن تغيره وما لا يمكن - من فعل الصحابة - رضوان الله عليهم - وفعلهم حجة، فالجواب أن هذا لم يثبت وفيما فصلته من البيان كفاية في إظهار الحق إن شاء الله.
وإِمّا أن يكون حكم الشرع والعقل، وهنا نقول إِمّا أن يتفقا وِإمّا أن يختلفا، فإن اتفقا فالحكم للشرع، والعقل تابع كما تقرر من قبل (٢). ومما يدل عليه هنا ويؤكده الحالة الثانية، وهي إن اختلفا فإما أن يقدم الشرع وهو الأول، وإما أن يقدم العقل وهو باطل، وإن قدم فلا وجه للتفريق بين جانب من الشريعة وجانب آخر ولا مصلحة ومصلحة كما قلنا آنفًا، فلزم على قاعدة تغير الأحكام بتغير المصالح ما لزم من المفاسد، وبهذا يتبين أن هذه المقالة لا تقبلها الشريعة، لأنها تقتضي فيما تقتضي - أن نحكم بتغير حكم الحادثة الواحدة إذا زعم العقل أن مصلحتها تغيرت، فمثلًا لو حكم العقل بزعمه أن حكم قطع يد السارق - إذا تحققت شروط القطع - لم يعد يحقق - المصلحة كما كان يحققها في العصور الماضية، وعليه فيجب تغيير هذا الحكم، فإن هذا التغيير وإن دخل في معنى تلك القاعدة على ما قدمناه آنفًا إلّا أنه لايقول به مسلم عامي فضلًا أن يكون معنى شرعي يجوز نسبته إلى الفقهاء.
---------------
(١) انظر ما سبق ص ٤٢٠.
(٢) انظر ما سبق ص ٢٨٦/ ٤٢٠.

الصفحة 540