كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

وهذه الصلاحية: "ليست إلا حكمًا إلهيًا دائمًا" (١) لأن الإِمام مخيَّر على سبيل الدوام - وهو حكم ثابت - بين المن والقتل والفدية والاسترقاق.
ومن هنا فقد نص البوطي على أن مثل هذه الأحكام لا تنطوي في الحقيقة على نسخ للإِجماع وأن الإِجماع الثابت شأنه كالنص الثابت من الكتاب والسنة لا يجوز الخروج عليه بحال" (٢).
وهو بهذا يربط المثال الذي ذكره - استدلالًا أو مجاراة لما نقله عن البزدوي - بحق الإمامة بالحكم الثابت، ثم أخذ في ترجيح أن الخلاف بين الأصوليين - الذين يرون عدم النسخ والذين يرون النسخ أمثال البزدوي وصدر الشريعة - إنما هو خلاف لفظي (٣)، وهذا تقرير جيد يفيدنا هنا، أن الخلاف ليس مبنيًا على معنى معتبر عند الفريقين لأن منهم من لا يتصور انعقاد الاجتماع على مصلحة شرعية، ومنهم من يتصور انعقاده، ولكن لا يرى تغير الحكم المجمع عليه، لأنه يربطه بحق الإِمامة كما صنع الدكتور البوطي وحمل على ذلك كلام البزدوي وصدر الشريعة، وقرر أن الخلاف لفظي وسأتجه بالمسألة وجهة أخرى وأحاول بيان السبب الذي أدى إلى القول بالتغير وسيكون ذلك من خلال التطبيقات التي ذكروها وقبل ذلك أذكر الأمر الثاني ..
الأمر الثاني: أن عامة الأصوليين أنكروا النسخ، وإنما أجازه البزدوي وصدر الشريعة كما أشار الدكتور البوطي آنفًا، وأنا أذكر هنا أدلة الجمهور على أن الإِجماع لا يَنْسخُ ولا يُنْسخ به. وهي:
(أ) أن العصمة ثابتة للحكم المجمع عليه أيًا كان سنده، ولا نسخ بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والإِجماع إنما يكون بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - لأنه إن وقع في حياته فلا يعتبر إلا بموافقته وموافقته هي المعتبرة وحدها والحجة فيها لا في غيرها، فبعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد انقطع الوحي فلا يمكن أن يقع النسخ.
---------------
(١) المرجع نفسه ٦٢.
(٢) المرجع نفسه ٦٢.
(٣) المرجع نفسه هامش ٦٢.

الصفحة 560