كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

(ب) أن الإِجماع لا ينسخه إجماع آخر، لأن هذا الاجماع الثاني، إما أن يكون عن دليل، وإما أن يكون عن غير دليل ولا يتصور ذلك، وإن كان عن دليل فيستلزم أن يكون الإِجماع الأول خطأ وذلك منتف، فيستحيل شرعًا أن يكون الإِجماع ناسخًا للإِجماع آخر.
(ج) والقياس لا يعارض الإِجماع ولا ينسخه وذلك لأن من شرط العمل بالقياس أن لا يكون مخالفًا للإِجماع (١).
وحفظ الشرع من النسخ والتبديل أمر مقطوع به، لأن هذه الشريعة معصومة، كما أن نبيها معصوم - عليه الصلاة والسلام -، والأمة فيما أجمعت عليه معصومة (٢).
ولذلك نرى الأصوليين يصرحون بعصمة الإِجماع وأبدية الشريعة، "وهذا بخلاف الشرائع المتقدمة فإن نسخها لما كان جائزًا، لم تقع الحاجة فيها إلى عصمة الأمة عن الخطأ، فأما شريعتنا هذه فلا يجوز عليها النسخ بل هي شريعة مؤبدة، فَعُصِمْت أمتُها عن الخطأ ليبقى الشرع فإجماع الأمة محفوظٌ" (٣).
والقول بأن الإِجماع يَنْسَخْ ولا يُنْسَخْ به من هذا المعنى المقطوع به.
ولقد أحسن الأستاذ البوطي في ربطه المسألة بحق الإِمامة، وتخريج سبب الخلاف فيها، وأحاول هنا إزالة بعض الإِشكالات وذلك بالنظر فيما أوردوه من تطبيقات، وترجع إلى ثلاثة أمثلة:
الأول: الإِجماع على قتل الأسرى، وقد تبين ما فيه سابقًا (٤)، وأضيف هنا أن هذا لا يسمى إجماعًا، لأن النص قد جاء بتخيير الإِمام بين الأسر والفداء والقتل وهو قوله تعالى:
---------------
(١) انظر إرشاد الفحول ١٩٢ - ١٩٣.
(٢) انظر ما سبق ص ١١٦.
(٣) كشف الأسرار ٣/ ٢٦١.
(٤) وقد تبين ما قاله البوطي سابقًا ص ٥٥٦.

الصفحة 561