كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

ومسألة التسعير مسألة مختلف فيها والخلاف فيها مشهور وليست من مواضع الإِجماع (١).
ونقول هنا كما قلنا من قبل عند الرد على القائلين بتغيير الأحكام، إنّ الحادثة الواحدة المجمع على حكمها لا يتصور أن يتغير حكمها إلّا إذا أسقطنا حجية الإِجماع كدليل شرعي، تمامًا كما قلنا أن الحادثة الواحدة التي حكمت فيها السنّة أو حكم فيها القرآن لا يمكن أن يتغير حكمها، إلّا إذا أسقطنا حجية القرآن أو حجية السنّة، ولا يقول بذلك أحد من المسلمين، فآل الأمر إلى أن الحادثة قد نقع بصورة جديدة وخصائص أخرى غير خصائصها الأولى - ومن ثم فهي حادثة متميزة غير الحادثة الأولى التي أجمع عليها، وحينئذ تأخذ حكمًا خاصًا بها بحسب مناطها، وحادثتان لها حكمان كما قلنا ليس غريبًا ولا عجيبًا.
وأما الإِجماع الذي لم يُتيقن من ثبوته، فهو إجماع مظنون لا يجزم المجتهد به، وهو مع كونه حجة إلّا أنه ليس في منزلة الإِجماع المتيقن، ومرتبته أن يُستدل به ويُقدم على ما دونه من الظن (٢)، أي أنه من مسائل الاجتهاد، بحيث يمكن للمجتهد أن يقدم عليه ما هو أقوى منه من الأدلة، بخلاف الإِجماع المُتَيَقَّنُ من ثبوته فهذا لا كلام فيه، ولا يجوز أن يقدم عليه، أو أن يبدل لأنه معصوم وحكمه الناتج عنه له صفة الثبات، ذلك أن الشريعة معصومة والأمة فيما اجتمعت عليه معصومة، ولا تجتمع إلّا على الحق، ويستحيل أن تجتمع على خطأ أبدًا، ومن معنى حفظ الشريعة وعصمتها، عصمة الأمة أن تجتمع على ضلالة، تغيّر بها أو تبدل حكمًا واحدًا من أحكام الله، أو تقر التقديم عليه أو الإِعراض عنه، ولذلك فإن الانحراف مهما كثُر وعظُم وتفاوتت مراتبه من كفر أو شرك
---------------
(١) انظر رسالة دكتوراه بعنوان الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة ٤٢٦ - ٤٦٨ - للدكتور عبد الله مصلح الثمالي، وبقية أمثلته عبارة عن فتوى مجتهدين فإن صادفت إجماعًا فخالفته فهي مردودة، وإن لم تصادفه فليس له دليل فيها على ما ادعاه. انظر تعليل الأحكام ٣٢٥.
(٢) مجموع الفتاوى ١٩/ ٢٦٨.

الصفحة 567