كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

أو بدعة أو معصية فإنه يظل انحرافًا يشار إليه بحسب جهد المصلحين والمنكرين له، ويستحيل شرعًا أن يجد إقرارًا من الأمة بأجمعها لأنها لا تجتمع على إقرار الباطل، وهكذا القول في ثبات أحكام الشريعة ما كان منها حجته الكتاب أو السنّة أو الإِجماع، فالعصمة ثابتة لهذه الشريعة ولجماعة العلماء، وهذا من أبرز معالم الثبات التي حفظت الشريعة من التغيير والتبديل - ولو في حكم واحد من أحكامها - وحفظت الأمة من أن يضيع الحق فيها، فـ "لا تزال طائفة .. قائمة بالحق لا يضرهم من خالفهم ... " وبثبات هذا المصدر الرباني وعصمة جماعة العلماء أهل السنّة والاتباع أمكن لهذه الأمة أن تعالج انحرافاتها، وتصمد أمام الغزو الفكري الجاهلي وتيار البدع الداخلي، وتتسلم قيادة البشرية مرات عديدة بعد أن كادت تسلم قيادها للانحراف العقدي لولا رحمة الله سبحانه المتمثلة في ثبات ذلك المصدر الرباني، وبقاء تلك الطائفة القائمة بالحق. والأمة في عصرها الأخير ما زال المصلحون يعتمدون في معالجة الانحرافات فيها على ثبات ذلك المصدر، وعصمة جماعة العلماء، والأعداء ما زالوا يكدحون دون أن يتمكنوا من هدفهم الأخير، وهو القضاء على هذه الأمة، ولن يتمكنوا لأن العصمة مكفولة لهذه الشريعة، ومكفولة لجماعة العلماء، وهي عصمة الإِجماع، ولا يزال الأعداء في ياس أمام هذا القدر الرباني (١) مهما بلغوا في الكيد من القوة
---------------
(١) القدر الرباني يقتضي بقاء هذين العنصرين عصمة الشريعة وثباتها، وعصمة الأمة من أن تجتمع على الباطل والانحراف عن الشريعة، ومقصد الأعداء مضاد لهذين القدرين فأتى لهم بملاقاته وتغييره، ولازم ذلك أن لا يصلوا إلى مقصدهم، وهذا لا يعني أنهم لن يؤثروا في الأمة كلا فأثرهم واقع لا محالة، والأمة مكلفة بعد ذلك بأن تساير قدر الله الذي رفع منزلتها فتجاهد لتصل إلى التمكين في الأرض وستكون أضعف فتراتها التي تكثر فيها الفتن وتنتشر فيها طوائف الضلال ومذاهب الغزو الفكري ويعود أصحاب الحق إلى الغربة التي حدث عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستكون هذه الأمة مع ذلك في أمن من يضيع الحق فيها وتزول تلك الطائفة القائمة به وهي الطريق بمشيئة الله لاعادة الأمة إلى التمكين في الأرض وغلبة دين الله على الأمم الأخرى، وهذا هو الذي يزعج أعداء هذا (٠) الدين ويفت في عضدهم. انظر كتاب موقف المستشرقين من ثبات الشريعة وشمولها دراسة وتطبيقًا.

الصفحة 568