كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

ويدخل تحت هذا العنوان الأحكام التي تعددت فيها الأقوال نتيجة لتفاوت أنظار المجتهدين وتفاوت قدراتهم، سواء منها ما اختلف فيها على قولين (١) أو ثلاثة أو أكثر، وبلفظ آخر يدخل تحته ما سوى المجمع عليه.
---------------
= يعطينا فكرة واضحة عن آثار الاجتهاد الشرعي وإيجابيته .. لينتهي بنا المطاف إلى معرفة الإِجماع في الفقه الإِسلامي .. فلم يبق إلا المواضع المختلف فيها .. وهنا تكتمل الصورة وتتضح منزلة الفقه الإِسلامي. ومن هنا يكون هذا "المبحث" تأسيسًا على ما سبق وتتمة لما بقي.
(١) ينصب الأصوليون مسألة تحت عنوان "إذا اختلف الصحابة على قولين المقتضى نفي الثالث هل يجوز إحداث ثالث" فمنهم من ذهب إلى المنع ويُنسب هذا إلى جمهور الأصوليين، انظر كشف الأسرار ٣/ ٢٣٤ - ٢٣٥، ٢٣٦، وتيسير التحرير ٢/ ٢٥٠، والإِحكام للآمدي ١/ ١٩٨ وشرح جمع الجوامع مع حاشية البناني ٢/ ١٩٧، ومختصر ابن الحاجب ٢/ ٤٠ - ٤١، وإرشاد الفحول ٨٦، وحاصل ما عندهم أن عدم ذهاب الصحابة لقول ثالث يدل على عدم وجود الدليل له فلا يجوز إحداثه، ولا يُظن وجود دليله الشرعي وعدم علمهم به. ومنهم من أجازه مطلقًا واستدل بأنها مواضع مختلف فيها وقد أحدث التابعون قولًا ثالثًا في مسائل الاجتهاد، انظر إرشاد الفحول ٨٦، والإِحكام للآمدي ١/ ١٩٨، ومختصر ابن الحاجب ٢/ ٤٠ - ٤١. وفضل آخرون فأجازوا إذا لم يؤد إحداث الثالث إلى رفع العمل بالقولين معًا، انظر الإِحكام للآمدي ١٩٩، وشرح جمع الجوامع ٢/ ١٩٧، تيسير التحرير ٢/ ٢٥٠، ومختصر ابن الحاجب ٢/ ٤١.
وقد كنت فصْلتُ البحث في هذه المسألة واخترت المنع، ثم تبين لي أن سبب ترجيحه غير قوي، لأنه مبني على عدم العلم بقول ثالث للصحابة، وعدم العلم به ليس دليلًا على عدم وجوده، وقوي عندي إمكان وجود الثالث لأن سكوت المخالفين للقولين واعتقادهم للثالث لا محظور فيه، ولأن المسألة اجتهادية فقد يكون عند المجتهد قول فيها لم يستكمل بعد النظر فيه، أو استكمله ولم ينشره، أو نشره ولم يعلم به المجتهدون الآخرون، أو علموه ولم ينقل.
فمن المعلوم أن مسائل الاجتهاد لم يُنقل فيها لنا جميع أقوال الأئمة، لا من الصحابة ولا من غيرهم، مجموع الفتاوى ٢٠/ ٢٥٠. هذا مع علمنا بتورع الصحابة ومن بعدهم من السلف عن التصريح بالفتيا، وإن بعضهم ليحيلها إلى غيره وعنده من العلم ما يكفي لها ولمثلها، فليس إذًا عدم العلم بالقول الثالث دليلًا على عدم وجود قائل به، =

الصفحة 571