كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

الباحثون الذين يجهلون طبيعة الاجتهاد ومن ثم جهلوا منزلة الفقه الإِسلامي (١).
ومسلك هؤلاء وهؤلاء مسلك خاطئ تظهر خطورته من حيث تفريغ الفقه الإِسلامي من أهم صفاته، وهي الشمول، وإيقاف أثره الشرعي وإيجابياته العملية، ليقبع إما على نفسه يحفظه المتعصبة من المقلدة دون أن يعطوه حقه، ويفيدوا المجتمع الإِسلامي من شموليته، ولا شمول إلّا باجتهاد - إما كشفًا أو تصحيحًا - وهؤلاء ينفرون منه أشد النفور، أو لينخلع عن شرعيته لكي يُدمج مع القوانين الوضعية كما يفعل بعض الباحثين المحدثين الذين زعموا أنه من وضع الفقهاء، ويطوّرونه بزعمهم كما يشاؤون لا يقيدهم الاجتهاد الشرعي الذي ألزمت الشريعةُ به الأئمة الفقهاء (٢).
وسيبقى الفقه الإِسلامي - الذي يكوّن أكثَر أحكامه الاجتهادُ الفردي يحظى بما حظي به هذا الاجتهاد من الشرعية والثبات والشمول على ما قدمنا بيانه، وسيقبع أصحاب التفريط والإِفراط في جهالتهم لا يضر الفقه الإِسلامي منها شيئًا، وقد ظهرت مرحلة الاجتهاد كشفًا وتصحيحًا في هذا العصر وينبغي أن تستكمل مسيرتها ملتزمة بتلك القاعدة الذهبية "وجوب الاجتهاد ولا نعصم ولا نؤثم" وفي ذلك منار هداية لمن أراد الصواب والاستقامة.
ففي وجوب الاجتهاد رد على أهل الإِفراط الذين غلوا في الأئمة وغلوا في نقدير منزلة الاجتهاد، وضعفوا منزلة العلماء المتأخرين حتى صوروا الاجتهاد من المستحيلات، وترتب على ذلك منع الكشف عن الأحكام الشرعية للوقائع المتجددة، ومنع التصحيح لأعمال المجتهدين.
وفي وجوب الاجتهاد رد على أهل التفريط الذين فرطوا في منزلة الفقه الإِسلامي، فإن الاجتهاد الشرعي موجب لإِثبات الشرعية للفقه ليكون فقهًا
---------------
(١) انظر ما سبق ص ٩٦.
(٢) انظر كتاب موقف المستشرقين من ثبات الشريعة وشمولها.

الصفحة 581