كتاب الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية

وقد قدر الله سبحانه أن يذعن الكون كله فلا يخرج عن تلك الضوابط .. أما بنو آدم فقد خيرهم الله بين اتباع سبيل الرشد، أو الانحراف عنه فمنهم من ثبت على فطرته السوية والتزم الهدي الرباني، ومنهم من تحول عنها فانفلت من تلك الضوابط واستجاب للانحراف.
ومن رحمة الله سبحانه أن قوى صلاح الفطرة بتلك الضوابط والتوجيهات وإن هذه الضوابط هي الأحكام الشرعية من الحلال والحرام التي تشمل جميع شؤون الإنسان ومجتمعه الخاصة والعامة، واتصفت هذه الأحكام -بما يناسب الكون والإنسان- من الثبات والشمول والحركة والتجدد والعطاء. ولقد حققت الأجيال الأولى من البشرية -على مدى عشرة قرون (١) - هذه الصورة الشرعية بما فيها من ثبات وشمول وحركة وتجدد بالمستوى الذي كانت تعيشه في تلك الفترة، والمجتمعات الرعوية، أو الزراعية، أو الصناعية تحتاج إلى هذه الصورة الشرعية، وكل يعيش بها حسب ما آتاه الله من قوة.
ثم طرأ على البشرية حالة غير سوية ئما أعرضت عن الهدي الرباني وخرجت عن ضوابطه، فاجتالتها الشياطين وأفسدت فطرتها.
ولقد حرص أعداء البشرية -الشيطان وجنده- على تعميق هذا الانحراف، واستعملوا من الأسلحة أخطرها، فكان ذلك السلاح هو "التبديل" تبديل المفاهيم والقيم وتلبيس الحق على الناس واستحداث صورة جديدة للمفاهيم والقيم والأحكام، وتغييرها في كل عصر ومكان وتزيينها للناس، والحيلولة بينهم وبين الهدي الرباني.
وبدأ الصراع بين فريقين:
الأول: الأنبياء والرسل وأتباعهم من المصلحين:
ومهمتهم المحافظة على الفطرة السوية -وهي التوحيد- وإبعاد الشبهات
---------------
(١) كما قاله ابن عباس - رضي الله عنهما -. تفسير ابن كثير ١/ ٢٥٠.

الصفحة 8