كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 32)

فصل:
والآية الثالثة قال مسروق: كان الحرث عنبا (¬1) فنفشت فيه الغنم. أي: رعت ليلاً. كما سلف، وهو ما قاله الهروي في "الغريبين" (¬2)، وفي "الصحاح": الهمل بالتحريك يكون ليلاً ونهارًا (¬3)، فقضى داود بالغنم لأصحاب الحرث فمروا بسليمان فأخبروه، فقال: نعم أقضي به وغيره كان أرفق للفريقين، فدخل أصحاب الغنم على داود فأخبروه، فأرسل إلى سليمان فعزم عليه بحق النبوة والملك (والولد) (¬4) كيف رأيت فيما قضيت؟ قال: عدل الملك وأحسن، وكان غيره أرفق بهما جميعًا، قال: ما هو؟ قال: تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فلهم لبنها وسمنها وأولادها، وعلى أهل الغنم أن يزرعوا لأهل الحرث حرثهم، فقال داود - عليه السلام -: نعم ما قضيت. قيل: علم سليمان أن قيمة ما أفسدته مثل ما يصير إليهم من لبنها وصوفها.
وقد أسلفنا (¬5) أن ناقة للبراء - رضي الله عنه -أفسدت في حائط، فقضى - عليه السلام - أن على أهل الحوائط حفظها نهارًا، وأن ما أفسدته المواشي ضامن على أهلها. أي: ضمان قيمته، وهذا خلاف شرع سليمان.
فإن ترك هذا ورضيا بدفع الغنم عن قيمة ما أفسدت.
فمشهور مذهب مالك: أنه لا يجوز حتى يعرفا قيمة المفسد. ونص عليه ابن شعبان، وفي "كتاب محمد" وإن لم يعرف القيمة، وقوله تعالى:
¬__________
(¬1) رواه الطبري 9/ 49 (24692) من طريق أبي إسحاق، عن مسروق، عن شريح.
(¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" 5/ 97.
(¬3) "الصحاح" 5/ 1854.
(¬4) من (ص1).
(¬5) رواه أبو داود (3569)، ابن ماجه (2332).

الصفحة 492