كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 32)

فأنكر أن يكون مالكًا قاله، وقال: أما علماؤنا وحكامنا بالمدينة فالعمل عندهم على الحكم على الغائب في جميع الأشياء.
وقالت طائفة: لا يقضى على الغائب (¬1).
وروي ذلك عن شريح والنخعي والقاسم وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى (¬2).
وقال أبو حنيفة: لا يقضى على الغائب ولا من هرب عن الحكم بعد إقامة البينة، ولا على من استتر في البلد، ولكنه يأتي من عند القاضي من ينادي ببابه ثلاثة أيام فإن لم يحضر أنفذ عليه القضاء (¬3).
واحتج الكوفيون بالإجماع: أنه لو كان حاضرًا لم يسمع بينة المدعي حتى يسأل المدعى عليه، فإذا غاب فأحرى أن لا يسمع (¬4). قالوا: ولو جاز الحكم مع غيبته لم يكن الحضور عند الحاكم مستحقًّا عليه، وقد ثبت أن الحضور مستحق عليه؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)} [النور: 48] فذمهم على الإعراض عن الحكم، وترك الحضور، فلولا أن ذلك واجب عليهم لم يلحقهم الذم، قالوا: وروي عن علي - رضي الله عنه - حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قال له: "لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع من الآخر" (¬5).
¬__________
(¬1) انظر في "النوادر والزيادات" 8/ 198 - 204. قول مالك وأصحابه.
(¬2) رواه عبد الرزاق في "المصنف" 8/ 304 - 305 (15306 - 15308) عن شريح وعمر بن عبد العزيز والثوري، وانظر: "شرح ابن بطال" 8/ 251.
(¬3) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 386، "المبسوط" 17/ 39.
(¬4) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 3/ 387.
(¬5) رواه أبوداود (3582)، والترمذي (1331)، وأحمد 1/ 90 وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

الصفحة 538