كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 32)

الشرح:
فيه دليل قاطع -كما قال المهلب- على خلافة الصديق [وهو قوله] (¬1) "ولقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه". يعني: فأعهد إلى أبي بكر، "ثم قلت: يأبي الله" (¬2) غير أبي بكر، "ويدفع المؤمنون" غير أبي بكر بحضرته، وشك المحدث بأي اللفظين بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولم يشك في صحة المعنى، وهذا مما وعد به فكان كما وعد، وذلك من أعلام نبوته.
وقد روى مسلم هذا الحديث في كتابه فقال: "يأبي الله ويدفع المؤمنون إلا أبا بكر" (¬3).
فإن قلت: فإذا ثبت أن الشارع لم يستخلف أحدًا، فما معنى ما رواه إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: رأيتُ عمر - رضي الله عنه - وبيده عسيب وهو يجلس الناس، ويقول: اسمعوا لخليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا خلاف لحديث ابن عمر؟
فالجواب: أنه ليس في أحد الخبرين خلاف للآخر، ومعنى قول عمر: إن أترك فقد ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يعني: ترك التصريح والإعلان بتعيين شخص ما وعقد الأمر له، وأما قول عمر: اسمعوا لخليفة رسول الله. فمعناه: أنه استخلف عليهم أبا بكر بالأدلة التي نصبها لأمته أنه الخليفة بعده، فكان أبو بكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لقيام الدليل على استخلافه، ولما كان قد أعلمه الله أنه لا يكون غيره،
¬__________
(¬1) ليست في الأصل وأثبتناها من "شرح ابن بطال" لأن السياق يقتضيها.
(¬2) كذا في الأصل، و"شرح ابن بطال" 8/ 282.
(¬3) "مسلم" (3287) كتاب: فضائل الصحابة. باب: من فضائل أبي بكر الصديق.

الصفحة 603