كتاب محاضرات في النصرانية

مستعار من العادة التي قضت بها الأنظمة الرومانية على المحكوم عليه بالصلب لأن يجمله كل يوم، وهذه العبارة انفرد لوقا بذكرها، فهو صليب يتجدد كل وبم، كما تجددت الآمال والآلام في الحياة اليومية العملية، فلابد إذن لحمل الصليب من خطوة تسبقه، وخطوة تعقبه، أما الخطوة السابقة له فهي إنكار النفس، بمعنى أن يقول تلميذ المسيح لنفسه الأمارة بالسوء، لا، لأن حمل الصليب هو حمل العار مضافاً إلى ألم الموت، وهذا عمل يستلزم إنكار النفس، لأن الرومان لم ينفروا من الصليب فقط، بل فزعوا من ظله، كذلك كان شعور اليهود بأن حمل الصليب هو حمل اللعنة، لأنه مكتوب في ناموسهم: "ملعون كل من علق خشبه"، والخطوة اللاحقة لحمل الصليب بل الخطوات هي اقتفاء آثار المسيح كقوله: "ويتبعني"، إذن ليس حمل صلينا غاية لكنه وسيلة لهذه الغاية، وهي إتباع المسيح حيث "يمضي" أ. هـ.
فحمل الصليب إذن عندهم ليس غاية، وليس مقصوداً لذاته، ولكنه مقصوداً لغاية أخرى أسمى عندهم، واهي اقتفاء خطوات المسيح في إنكار الذات، والرضا بالفداء في زعمهم وإتباع تعاليمه.

عبادتهم:
74- عند النصارى عبادتان: هما الصلاة، والصوم، أما الصوم فإنهم يقولون إن شرعه عليهم اختياري لا إجباري، وميقاته قد تتخالف فيه الفرق، فلنتركه إلى الكلام في الفرق والكنائس إن كان للقول متسع، ولنتكلم الآن عن صلاتهم.
والصلاة عندهم ركن من أركان الدين، وهي من زعمهم تقربهم إلى الله عن طريق المسيح.
ولقد جاء في كتاب الأصول والفروع: "إن الدين قلب مقتنع بوجود الله الخالق والحافظ والفادي، فتكون الصلاة ترجمان ذلك القلب، يعبر بها عما يخالجه من الأشواق والعواطف، فبالنظر لاقتناعه بقداسته تكون الصلاة كلمات التعظيم والتسبيح له، وبالنسبة لاقتناعه بجهوده وإحسانه تكون الصلاة عبارات الشكر والحمد، وبالنسبة لوقوعنا في الخطيئة، تكون الصلاة كلمات التذلل والتواضع والاستغفار، وبالنسبة للاحتياج إليه تعالى تكون الصلاة طلباً ودعاء".

الصفحة 111