كتاب محاضرات في النصرانية
تلقى المسيحيين لقرارات المجمع:
83- ولكن هل أمات ذلك الرأي الوحدانية التي كان يجاهر بها أريوس، وهل قضي ذلك المجمع القضاء المبرم عليها؟ إنه لو فرض أبعد الفروض عن الحق، وكانت كثرة المجمع العلم على غير رأي أريوس ما انتصروا عليه ولا قضوا على ما يدعو إليه لأن الآراء لا تنتصر بكثرة العدد بل بقوة الدليل وقوة تصور العقيدة، وقوة الاقتناع بها، وسهولة دخولها إلى العقل، واستساغته لها، ولذلك لم يقض المجمع على فكرة الوحدانية. بل ربما كانت المحاولة للقضاء عليها سبباً في شدة الاستمساك بها، والمبالغة في المحافظة عليها مما يراد بها.
ولذلك أخذ البطارقة الذين لعنوا لاعتناقها يعملون الحيلة للاحتفاظ بها وحياطتها، واتخذوا الخديعة سبيلاً لذلك. فتقربوا من قسطنطين وأظهروا له الإقلاع عما كانوا عليه ليعودوا إلى ما كان لهم من مناصب. ويستطيعوا مناصرة فكرتهم. ولينالوا ثقة قسطنطين. ومن طريق هذه الثقة ينفذون إلى نفسه. ويقنعونه هو بالتوحيد. ليستطيع أن يخدمه بسلطانه قوته. كما خدم أُلوهية المسيح، أو على الأقل ليقف موقف الحياد ويترك الآراء تسير في مجراها الطبيعي. ولنقص عليك محاولة من محاولات الموحدين.
مجمع صور يرفض بالإجماع قرار مجمع نيقية:
يذكر ابن البطريق أن أوسابيوس أسقف نيقومدية كان موحداً من مناصري أريوس في المجمع العام قبل أن تبعده عنه كثرته. ولعن من أجل هذا وأراد أن يتقرب من قسطنطين "فأظهر إنه وافق على قرار الثمانية عشر والثلاثمائة فأزال عنه اللعنة قسطنطين. وجعله بطريرك القسطنطينية، فما أن ولى هذه الولاية حتى صار يعمل للوحدانية في الخفاء فلما أجتمع المجمع الإقليمي في صور حضره هو وبطريرك الإسكندرية الذي كان يمثل فكرة أُلوهية المسيح ويدعو إليها، وينفرد من بين البطاركة في المبالغة في الدعوة إليها، والحث عليها، ولعن كل من يقاومها.
وانتهز أوسابيوس فرصة ذلك الاجتماع وأثار مقالة أريوس، ورأيه في المسيح وإنكار ألوهيته. وكان في ذلك المجمع كثيرون من الموحدين المستمسكين به، إذ لم يحتاطوا بإبعادهم، كما فعلوا في المجمع العام
الصفحة 129
200