كتاب محاضرات في النصرانية

بنيقية. وأشتد النقاش بين رئيس كنيسة الإسكندرية، وبين المجتمعين، ولم يكتفوا بالنقاش القولي بل امتدت الأيدي إلى بطريرك الإسكندرية وعمدت إلى رأسه لإخراج الوثنية منها، فضربوه حتى أدموه، وكادوا أن يقتلوه، ولم يخلصه من أيديهم إلا ابن أخت الملك الذي كان حاضراً تلك الاجتماع، ولكن لما بلغ ذلك قسطنطين كرمه.

ما يستنبط من هذا:
وما سقنا ذلك القصص لرضانا عن تأييد الرأي بالعصا وجمع اليد، ولكن سقناه ليتبين منه القارئ مقدار حماسة الموحدين من أهل المسيحية الأولى لعقيدة التوحيد، وإنهم في تلك الحماسة لا يأبهون لشيء، ولا يهمهم إغضاب ذوي السلطان أو إرضاءهم، وسقناه لتعلم أن الموحدين كما يظهر من رواية الكتب المسيحية، وكما يستنبط كانوا الكثرة الغالبة في المسيحيين، ففي مجمع نيقية كانوا الكثرة، وفي مجمع صور الخاص كانوا الجميع ما عدا رئيس كنيسة الإسكندرية. وإذا كانوا الكثرة في المؤتمرات خاصة وعامة، فلابد أن يكونوا الكثرة في جمهور المسيحيين.
وإذن تكون فكرة أُلوهية المسيح هي العارضة والأصل هو التوحيد كما يستنبط القارئ من المصادر المسيحية نفسها. وسقناه لتعلم أن قسطنطين كان يشجع دائماً المخالفين للتوحيد. وإن كان لا يظهر السخط على غيرهم أحياناً. وسقناه لتعلم أن مجمع صور كان يخالف كل المخالفة مجمع الثمانية عشر والثلاثمائة. وأخيراً سقناه لتعلم أن موطن الدعاية لألوهية المسيح كانت كنيسة الإسكندرية وحدها، فهي التي حاربت أريوس. وهي التي لعنته مرتين، ورئيسها هو الذي خالف في صور، ونال عقاب المخالفة جزاء وفاقا.
فهل لنا أن نقول أن التثليث الذي اشتملت عليه فلسفة الإسكندرية كان يعلن على السنة بطاركتها. وإنهم كانوا يمثلون تلك الفلسفة بآرائهم أكثر من تمثيلهم لمسيحية المسيح عليه السلام؟ إن ذلك هو مفتاح التاريخ الصحيح فمن أراد أن يعرف كيف حالت المسيحية من توحيد إلى تأليه للمسيح، فليستعن به.

نشاط الموحدين:
84- ولم ين الموحدون عن إعلان الاستمساك بعقيدتهم، وتخطئة

الصفحة 130