كتاب محاضرات في النصرانية

الفرق القديمة في عهد التثليث
102- بعد مجمع نيقية أبعد التوحيد رسمياً عن الديانة المسيحية، وإن كان أتباعه أكثر عدداً، وأعز نفرا، ولم تستطيع الحكومة الرومانية أن تقضي على التوحيد بذلك المجمع، ولكنها أخذت تبعد الموحدين عن مكان الرياسة في الكنائس، ولا تجعل صوتهم يصل إلى الشعب بالنفي والتشريد، وكل ذرائع الأذى والاضطهاد، حتى حيل بين العامة وبين سماع صوت التوحيد، وفعل الزمن فعله، وتغلبت الظلمة على النور، وأخفى ظلام الليل نور النهار الساطع. وعندئذ كانت الفرق التي تظهر بعد ذلك في ظل أُلوهية المسيح في الجملة أن استثنينا مقدنيوس وفرقته.

فرقة مقدونيوس:
وأول فرقة ظهرت في ذلك العصر فرقة مقدونيوس هذا، فقد أنكرت أن يكون روح القدس إلهاً، وقاومت ما ترمي إليه الكنيسة العامة من فرض تلك الأُلوهية، ودعوة الناس إليها، وحثهم على اعتناقها، ولعل مقدونيوس هذا كان من الموحدين الذين لا يزالون يعتنقون التوحيد، ويتابسون في ذلك أريوس وسائر الموحدين. وإن كانت الغلبة لغيرهم، فهاله أن يبدأ الأساقفة بتأليه المسيح ويثنون بتأليه الروح القدس، فجاهر بإنكار الثاني، لأنه لم يعد في قوس الصبر منزع.
يقول ابن البطريق: "وفي عشر سنين من ملكه (قسطنطين ابن قسطنطين الثاني) صبر مقدونيوس بطريركا على القسطنطينية، وكان يقول: إن روح القدس مخلوق، وأقام عشر سنين ومات".
لكن مقالته لم تمت بموته، بل كان له أشياع وأتباع وخصوصاً من بين الموحدين الذين لم يزولوا من المملكة الرومانية، وإن أصبحوا في الجملة لا سلطان لهم.
لأجل ذلك انعقد مجمع القسطنطينية سنة 381، وقد ذكرنا بعضاً من قراراته، وكان المقرر والمناظر والمجادل في هذا المقام بطريرك الإسكندرية مهد الأفلاطونية الحديثة، كما نوهنا آنفاً، ويسمى المقدونيين الأبولنياريين فقد جاء في كتاب سوسنة سليمان في بيان المجمع القسطنطيني:

الصفحة 156