كتاب محاضرات في النصرانية

تاريخ الأمة القبطية تقرر أن كلام نسطور معناه، أو يلزم منه حتماً، إنكار ألوهية المسيح.
ولما قال نسطور ذلك القول كاتبه كيرلس بطريرك الإسكندرية ويوحنا بطريرك أنطاكية في ذلك الإبان، ليعدل عن رأيه، فلم يصغ إليهما، ولم يجب طلبهما، فانعقد مجمع أفسس سنة 431، وقرر لعنه وطرده، وإثبات أن مريم العذراء قد ولدت الإنسان والإله.
وقد بينا ذلك القرار ببعض التفصيل عند الكلام على ذلك المجمع. ولقد أبعد ذلك نسطور عن منصبه ونفى، فصار إلى مصر وأقام في أخميم إلى أن مات.
ويقول ابن البطريق: "كانت مقالة نسطور قد اندثرت، فأحياها من بعده بزمان بوصوما مطران نصيبين في عهد قباذ بن نيروز ملك فارس، وثبتها في الشرق، وخاصة أهل فارس، ولذلك تكاثرت النسطورية في الشرق، "في العراق والموصل والجزيرة". ولا يزال إلى الآن في الأماكن التي يذكرها ابن البطريق نسطوريون ينتحلون هذه النحلة ويأخذون بهذا المذهب.
ويقول صاحب سوسنه سليمان: "أن النسطوريين في هذا العصر يسمون الكلدان يسكنون خاصة فيما بين النهرين، والبلاد المجاورة لهما، ولهم تعاليم كثيرة مختصة بهم، غير إنهم يمتازون عن باقي المذاهب باعتقادهم أن نسطوريوس حرمه مجمع أفسس ظلماً. أضف إلى ذلك اعتقادهم بأنه لم يكن في المسيح طبيعتان بل اقنومان أيضاً، وكان يحسب هذا المعتقد في الزمن القديم ضلالاً مبيناً، وأما في هذا الزمان فيحسب العلماء، حتى الكاثوليك الرومانيون، غلطاً لفظياً لا معنوياً، لأن هؤلاء الكلدانيين يعتقدون أن في المسيح أقنومين، كما أن فيه طبيعتين، ويقولون أيضاًَ بأن هذين الأقنومين، وهاتين الطبيعتين قد التصقا حتى صار منهما رؤية واحدة".
وهذا الكلام يدل على أمرين: أحدهما أن الكنيسة الرومانية التي كانت تشدد في القرون الخالية في طرد كل من يخالف معتقدها، وتعده كافراً لا يلج الإيمان قلبه قد تساهلت في هذه الأعصر، فوسعت صدرها للمخالفين لها، وتأولت لهم، لتدخلهم في حظيرتها بعد سابق الحرمان والطرد واللعن والتكفير.

الصفحة 158