كتاب محاضرات في النصرانية

الفرقة الحديثة "البروتستانت"
أو الإصلاح الديني
حال الكنيسة قبل الإصلاح:

شدة الكنيسة على الناس والعلماء:
110- اشتد ضغط الكنيسة الكاثوليكية على المسيحيين، وبالغت في فرض آرائها عليهم مبالغة تجاوزت حد الغلو، ولم تسلك في ذلك سبيل الموعظة الحسنة، والدعوة الصالحة، والإرشاد القويم، ومخاطبة الأرواح والنفوس، وتمكينها من أن تتبعها، وهي حرة مريدة مختارة، بل سلكت سبيل العنف وركبت متن الشدة، فجعلت كل رأي في العلوم الكونية يخالف رأيها كفراً، ولا تدعو معتنقيه إلى الهداية، وترشده إلى الرشاد، كما يليق برجال الدين مع من يرونه ضالاً، بل تكفر لأوهى الأسباب، وتحرق أو تعذب من تراه كافراً بلا رفق ولا هوادة.
فهذا المجمع الثاني عشر من مجامعه الكنيسة وهو المجمع المسمى بالاتيراني الرابع المنعقد سنة 1215 يقرر استئصال الهراطقة، ويعنون بذلك كل من يرى رأياً مخالفاً للكنيسة، ولو كان رأياً في الكون أو طبائع الأشياء، ولم تكتف الكنيسة بقتل من يجهرون بآراء تخالف آراءها، بل أخذت تنقب على القلوب وتستكنه خبايا النفوس، وتكشف عن سرائر الناس بما أسماه التاريخ محاكم التفتيش، التي دنست تاريخ الأديان بما ارتكبت من آثام، وما أزهقت من أرواح، وما سفكت من دماء، وما عذبت من أحياء.

الصفحة 167