كتاب محاضرات في النصرانية
وإن جهر رجل من رجال الدين بالدعوة إلى الإصلاح، داعياً رجال الكنيسة إلى أخذ الناس برفق، وحاثاً رجال الدين على الأخذ بهدية كان عقابه الحرمان والقتل.
حدث في أوائل القرن الخامس عشر أن أحس أساقفة فرنسا بوجوب إصلاح حال البابوات، فانعقد لذلك مجمع مؤلف من 150 أسقفاً، و1800 من رجال الدين، ولكن هذا المجمع انتهى في قراراته بالأمر بإحراق يوحنا هوس مصلح كنيسة روما بوهيميا ورفيقه جيروم.
ولقد حرق وعذب في هذا السبيل علماء استشهدوا في سبيل العلم بسبب مظالم تلك الكنيسة، وضيق صدر القوامين عليها.
ومما يذكر في هذا أن أحد العلماء واسمه ابيلارد كان له رأي في تكفير المسيح عن خطيئة آدم خالف به رأي الكنيسة فقال: ليست حياة المسيح وصلبه وما لاقى في ذلك من تعذيب سبيلاً لإرضاء الله وإنزال عفوه عن خطيئة الإنسان، فعفو الله أيسر من ذلك وأقرب، وإنما لاقى المسيح ما لاقى إعلاناً لما يكنه قلبه من حب الله، وعسى أن يثير في الناس عاطفة الشكر وعرفان الجميل، فيعيدهم إلى طاعة الله. ولكنه ما أن قال ذلك القول حتى انعقد مجلس لمحاكمته، فكان نصيب كتبه التحريق، ونصيبه السجن الدائم، حتى وافته منيته.
وجاليليلو يرى رأيا في الكون فيسجن لذلك الرأي، مع أن رأيه ليس من أمور الدين في شيء.
فرض سلطانها على الملوك:
111- بالغت الكنيسة في شدتها، كما رأيت، ولم ينج حتى الملوك من طغيانها، فقد كان انقسام الدولة الرومانية الغربية إلى ممالك مختلفة، واعتبار كل مملكة وحدة سياسة لا تتصل بالأخرى إلا اتصال محبة وسلام، أو حرب وخصام - كان ذلك سبباًَ في أن صار البابا لا سلطان لأحد من ولاة الأمر عليه، وقد تقرر هذا من بعد كما صار تعيين البابوات باختيار المجامع، لا بتعيين ملك أو أمير، مهما تكن قوته وسطوته وصال البابوات بعد تعيينهم غير خاضعين بأي نوع من أنواع الخضوع لأي ملك من الملوك، وعلى النقيض من ذلك لهم هم السلطان الذي لا يرد على
الصفحة 168
200