كتاب محاضرات في النصرانية
(جـ) كانت مهمة كتبة سيرة نبي الإسلام جمع الأحاديث وتكديسها، لكي يظفروا بأكبر عدد ممكن، وكانت مهمة لوقا التمحيص العلمي، إذ كان هو طبيباً عملياً، علمياً دقيقاً.
بيان ما في كلامه من زيف:
61- هذا نص ما كتبه ذلك القس في الموازنة بين أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإنجيل لوقا، ونحن نقره في أن أوجه الاختلاف تنفرج زاويتها، حتى لا يتلاقى المتشابهان بعدها، وأن شئت الحق الخالص من كل تمويه، والصدق الخالي من كل تزوير فقل إنه لا تشابه بينهما، كخطين متوازيين لم يتلاقيا، ولن يتلاقيا قط.
ولكن أذلك الاختلاف يعلى الأحاديث أم يعلى البشارة المنسوبة للوقا؟ هنا نختلف مع القس. فهو يزعم أن ذلك الاختلاف يعلى بشارة لوقا، وبفقد الثقة أحاديث الرسول، وهو لكي يؤيد هذا الزعم يأتي بالمحاسن فيسميها مساوئ، ويعرض لما يوجب الثقة، فيزعمه دليل نقيضها، وهو في هذا كمن يزعم قبح الشمس في نورها الرائع، وضوئها الساطع، وقبح القمر في صفائه، وانبلاجه في ظلمة الليل البهيم، ثم يستعين في تقبيح المحاسن إلى التشبيهات والأخيلة والرموز، كشأن المموهين دائماً، عندما يحاولون طمس المعقول ورد المقبول. ومعارضة ما تنتجه بدائه العقول، والمنطق المستقيم.
يقول أن الأحاديث كتبها ناس عن ناس حتى يصلوا إلى التابعين، فالصحابة، وبشارة لزقا أخذها عن شهود عاينوا، ويرى أن رواية بشارة لوقا هي المثلى، ورواية الأحاديث ليست المثلى. ويستدل على ذلك بأن التبر متى تنقل بين الأيدي أمتزج بالتراب أو تحول إلى تراب، فأي دليل هذا؟ ومن أي أبواب الأقيسة المنطقية، ومن أي أشكالها؟ أن ذلك ليس من المنطق في شيء، ولا يمت إليه بنسب، بل لا نستطيع أن نقول أن ذلك قياس خطابي، لأن الأقيسة الخطابية، وإن كانت ظنية لا تناقض العقل، ولا تكذب على البدائه، ولكنا مع ذلك نناقش ذلك الاستدلال.
إن أحاديث الرسول رويت بسند متصل، وذلك عيبها في زعم هذا الكاتب، وبشارة لوقا لم ترو بسند متصل، وذلك حسنها، وإذا قال لك
الصفحة 92
200