كتاب الوابل الصيب - الكتاب العربي

( الثالثة والخمسون )
إن الله عز و جل يباهي بالذاكرين ملائكته كما روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال : خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذاك قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه و سلم أقل عنه حديثا مني [ وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج على حلقة من أصحابه فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن علينا بك قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذاك قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة ] فهذه المباهاة من الرب تبارك وتعالى دليل على شرف الذكر عنده ومحبته له وأن له مزية على غيره من الأعمال
( الرابعة والخمسون )
إن مدمن الذكر يدخل الجنة وهو يضحك لما ذكر ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه عن أبي الدرداء قال : الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله عز و جل يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك
( الخامسة والخمسون )
إن جميع الأعمال إنما شرعت إقامة لذكر الله تعالى والمقصود بها تحصيل ذكر الله تعالى قال سبحانه وتعالى : { وأقم الصلاة لذكري } قيل المصدر مضاف إلى الفاعل أي لأذكرك بها وقيل مضاف إلى المذكور أي لتذكروني بها واللام على هذا لام التعليل وقيل : هي اللام الوقتية أي أقم الصلاة عند ذكري كقوله : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } وقوله تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } وهذا المعنى المراد بالآية لكن تفسيرها به يجعل معناها فيه نظر لأن هذه اللام الوقتية يليها أسماء الزمان والظروف والذكر مصدر إلا أن يقدر زمان محذوف أي عند وقت ذكري وهذا محتمل
والأظهر أنها لام التعليل أي أقم الصلاة لأجل ذكري ويلزم من هذا أن تكون إقامتها عند ذكره وإذا ذكر العبد ربه فذكر الله تعالى سابق على ذكره فإنه لما ذكره ألهمه ذكره فالمعاني الثلاثة حق
وقال سبحانه وتعالى : { اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر } فقيل : المعنى أنكم في الصلاة تذكرون الله وهو من ذكره ولذكره الله تعالى إياكم أكبر من ذكركم إياه وهذا يروى عن ابن عباس وسلمان وأبي الدرداء وابن مسعود رضي الله عنهم وذكر ابن أبي الدنيا عن فضيل ابن مرزوق عن عطية { ولذكر الله أكبر } قال : وهو قوله تعالى : { فاذكروني أذكركم } فذكر الله تعالى لكم أكبر من ذكركم إياه
وقال ابن زيد وقتادة : معناه : ولذكر الله أكبر من كل شيء وقيل لسلمان : أي الأعمال أفضل ؟ أما تقرأ القرآن { ولذكر الله أكبر } ويشهد لهذا حديث أبي الدرداء المتقدم [ ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ] الحديث
وكان شيخ الإسلام أبو العباس قدس الله روحه يقول : الصحيح أن معنى الآية أن الصلاة فيها مقصودان عظيمان وأحدهما أعظم من الآخر : فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي مشتملة على ذكر الله تعالى ولما فيها من ذكر الله أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر وذكر ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه سئل : أي العمل أفضل ؟ قال : ذكر الله أكبر وفي السنن عن عائشة عن النبي صلى اله عليه وسلم قال : [ إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى ] رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح

الصفحة 102