كتاب أخبار أبي حفص عمر بن عبد العزيز
منطقهم فِيهَا بِالصَّوَابِ ومشيهم بالتواضع مطعمهم الطّيب من الرزق مغمضي أَبْصَارهم عَن الْمَحَارِم فخوفهم فِي الْبر كخوفهم فِي الْبَحْر ودعاؤهم فِي السَّرَّاء كدعائهم فِي الضراء لَوْلَا الاجال الَّتِي كتبت لَهُم مَا تقاوت أَرْوَاحهم فِي أَجْسَادهم خوفًا من الْعقَاب وشوقا إِلَى الثَّوَاب عظم الْخَالِق فِي نُفُوسهم فصغر الْمَخْلُوق فِي أَعينهم وَاعْلَم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن التفكير يَدْعُو الى الْخَيْر وَالْعَمَل بِهِ وَأَن النَّدَم على الشَّرّ يَدْعُو الى تَركه وَلَيْسَ مَا يُغني وان كَانَ كثيرا يأهل أَن يُؤثر على مَا يبْقى وان كَانَ طلبه عَزِيزًا وَاحْتِمَال الْمُؤْنَة المنقطعة الَّتِي تعقب الرَّاحَة الطَّوِيلَة خير من تَعْجِيل رَاحَة مُنْقَطِعَة تعقب مُؤنَة بَاقِيَة وندامة طَوِيلَة فاحذر الدُّنْيَا الصارعة الخاذلة القاتلة الَّتِي قد تزينت بخدعها قتلت بغرورها وخدعت بآمالها فَأَصْبَحت الدُّنْيَا كالعروس المجلية فالعيون اليها ناظرة والقلوب عَلَيْهَا والهة والنفوس لَهَا عاشقة وَهِي لازواجها كلهم قاتلة فَلَا الْبَاقِي بالماضي مُعْتَبر وَلَا الاخر لما رأى من أَثَرهَا على الاول مزدجر وَلَا الْعَارِف بِاللَّه الْمُصدق لَهُ حِين أخبر عَنْهَا مدكر فَأَبت الْقُلُوب الا لَهَا حبا وأبت النُّفُوس لَهَا الا عشقا وَمن عشق شَيْئا لم يلهم نَفسه غَيره وَلم يعقل شَيْئا سواهُ مَاتَ فِي طلبه وَكَانَ اثر الاشياء عِنْده فهما عاشقان طالبان مجتهدان فعاشق قد ظفر مِنْهَا بحاجته فاغتر وطغى وَنسي وَلها فَغَفَلَ عَن مبتدا خلقه وضيع مَا اليه معاده فَقل فِي الدُّنْيَا لبثه حَتَّى زَالَت عَنهُ قدمه وجاءته منيته على شَرّ مَا كَانَ حَالا وأطول مَا
الصفحة 80
112