كتاب أخبار أبي حفص عمر بن عبد العزيز
كَانَ فِيهَا أملا فَعظم ندمه وَكَثُرت حسرته مَعَ مَا عالج من سكرته فاجتمعت عَلَيْهِ سكرة الْمَوْت بكربته وحسرة الْفَوْت بغصته فَغير مَوْصُوف مَا نزل بِهِ واخر ميت مَاتَ من قبل أَن يظفر مِنْهَا بحاجته فَمَاتَ بغمه وكمده وَلم يدْرك فِيهَا مَا طلب وَلم يرح نَفسه عَن التَّعَب وَالنّصب واللعب فَخَرَجَا جَمِيعًا بِغَيْر زَاد وقدما على غير مهاد فاحذرها الحذر كُله فانما مثلهَا كَمثل الْحَيَّة لين مَسهَا تقتل بسمها فَأَعْرض عَمَّا يُعْجِبك فِيهَا لقلَّة مَا يصحبك مِنْهَا وضع عَنْك همومها لما قد أيقنت بِهِ من فراقها وَاجعَل شدَّة مَا اشْتَدَّ مِنْهَا رَجَاء مَا ترجو بعْدهَا وَكن عِنْد اسر مَا تكون مِنْهَا أحذر مَا تكون لَهَا فان صَاحب الدُّنْيَا كلما اطْمَأَن مِنْهَا الى سرُور صحبته من سرورها بِمَا يسوؤه وَكلما ظفر مِنْهَا بِمَا يحب انقلبت عَلَيْهِ بِمَا يكره فالسار مِنْهَا لاهلها غَار والنافع بِهِ مِنْهَا غَدا ضار وَقد وصل الرخَاء مِنْهَا بالبلاء وَجعل الْبَقَاء فِيهَا الى فنَاء فسرورها بالحزن مشوب والناعم فِيهَا مسلوب وَانْظُر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اليها نظر الزَّاهِد المفارق وَلَا تنظر نظر الْمُبْتَلى العاشق الوامق وَاعْلَم أَنَّهَا تزيل الثاوي بالساكن وتفجع المترف فِيهَا بالامن وَلَا ترجع فِيهَا مَا تولى مِنْهَا وَأدبر وَلَا بُد مِمَّا هُوَ ات مِنْهَا ينْتَظر وَلَا يتبع مَا صفا مِنْهَا الا كدر فاحذرها فان أمانيها كَاذِبَة وامالها بَاطِلَة وعيشها نكد وصفوها كدر وَأَنت مِنْهَا على خطر
إِمَّا نعْمَة زائلة واما بلية نازلة واما مُصِيبَة فادحة واما منية قاضية فَلَقَد كدرت الْمَعيشَة لمن عقل فَهُوَ من نعيمها على خطر وَمن بليتها على حذر وَمن الْمنية على يَقِين فَلَو كَانَ الْخَالِق تبَارك
الصفحة 81
112