كتاب المصالح المرسلة

الأموال، والأمول مبتذلة يجوز ابتذالها في الأغراض التي هي أهم منها.
وإنما المحظور سفك دم معصوم من غير ذنب سافك" اهـ محل الغرض منه، وهو يدل على العمل بالمصلحة المرسلة في أخذ الإمام الأموال من الناس ليهيئ بها الجند لحفظ بلاد المسلمين من الكفار والظلمة ولا شك أن حفظ بلاد المسلمين يجب على ولاة المسلمين وإن لم يكن لذلك طريق ممكنة إلا أخذ بعض الأموال من الأغنياء. ولا خلاف في ارتكاب أخف الضررين وجواز العمل به وإن كانت مصلحة مرسلة.
واعلم أن ما فعله عمر رضي الله عنه من عدم قسمه للأرض المغنومة من الكفار مع أن ظاهر القرآن يدل على أن أربعة أخماسها للغانمين لعموم قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية. أي والأخماس الأربعة الباقية للغانمين.
ولم يفعل عمر بل لم يقسم الأرض المغنومة على الغانمين وإنما تركها لينتفع بها جميع المسلمين في المستقبل لأنها لو قسمت لم يبق خراج يكفي الجيوش لحماية بلاد المسلمين. ولذا صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر"، وفي لفظ في الصحيح عن عمر رضي الله عنه: "والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر المسلمين ليس لهم شيء ما فتحت عليَّ قرية إلا قسمتها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ولكن أتركها خزانة لهم يقتسمونها" ليس معناه أن عمر رضي الله عنه خصص عموم {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية..
بمصلحة مرسلة كما يظنه بعض المتعلمين الذين لم يمارسوا الكتاب والسنة، لأن كلام عمر رضي الله عنه صريح في أنه يرى أن الإمام مخير بين قسم الأرض المغنومة على الغانمين، وبين استبقائها لانتفاع

الصفحة 18