كتاب المصالح المرسلة

هكذا قيل ولكن استناد المصلحة المرسلة إلى دليل خاص يخرجها عن كونها مرسلة كما ترى ... والعلم عند الله تعالى. فمثال معارضتها لمصلحة أرجح منها: غرس شجر العنب فإن منع وجوده في الدنيا يستلزم مصلحة هي السلامة من عصر الخمر منه، ولكن مصلحة السلامة من عصر الخمر من العنب بإعدامه من الأرض معارضة بمصلحة أرجح منها وهي انتفاع الناس بالعنب والزبيب فهذه المصلحة الراجحة تقدم على تلك المصلحة المرجوحة:
وانظر تدلي دوالي العنب ... في كل مشرق وكل مغرب
ومن أمثلة هذا أيضاً إجماع المسلمين قديماً وحديثاً على جواز مساكنة الرجال والنساء في البلد الواحد، ولم ينقل عن أحد أنه قال يجب عزل النساء عن الرجال وإسكانهن منفردات عليهن في حصون قوية وأبواب من حديد مفاتيحها بيد من عرف بالتقوى والعفاف وكبر السن والغني بالزوجات، مع أن عزل النساء فيه مصلحة السلامة من الزنا لأن كون الجميع في بلد واحد قد يكون ذريعة إلى التوصل إلى الفاشحة بالإشارات ورمي الأوراق التي فيها مواعيد، والاتصال من فوق السطوح كما قال نصر بن حجاج بن علاط السلمي:
ليتني في المؤذنين نهارا ... وأنهم ينظرون من في السطوح
فيشيرون أو يشار إليهم ... حبذا كل ذات دل مليح
لأن مصلحة تعاون الذكور والإناث على الدين والدنيا في البلد الواحد بأن يكون الرجل ونساؤه في دارهم يتعاونون بأن يقوم كل بما يليق به من الخدمة أرجح من مصلحة قطع الذريعة إلى الزنا باجتماع الجنسين في البلد الواحد.
ومثال استلزام المصلحة مفسدة راجحة أو مساوية ما إذا طلب

الصفحة 22