كتاب منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس
قبرى وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". وفي السنن أيضاً أنه قال: " لا تتخذوا قبرى عيداً، وصلُّوا على حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغنى ". وفي الصحيح أنه قال في مرضه الذى لم يقم منه: " لعن الله اليهود والنصاري اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما فعلوا". قالت عائشة رضي الله عنها: "ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً ". وفي صحيح مسلم أنه قال قبل أن يموت بخمس: " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإنى أنهاكم عن ذلك ". وفي سنن أبي داود أنه قال: " لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج ".
ولهذا قال علماؤنا: لا يجوز بناء المساجد على القبور، وقالوا: إنه لا يجوز أن ينذر لقبر، ولا للمجاورين عند القبر شيئاً من الأشياء، لا من درهم، ولا زيت، ولا شمع، ولا حيوان، ولا غير ذلك، كله نذر معصية. وقد ثبت في الصحيح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه ". واختلف العلماء: هل على الناذر كفارة يمين؟ على قولين؛ ولهذا لم يقل أحد من أئمة المسلمين: إن الصلاة عند القبور وفي مشاهد القبور مستحبة، أو فيها فضيلة، ولا أن الصلاة هناك والدعاء أفضل من الصلاة في تلك البقعة، بل اتفقوا كلهم على أن الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند قبر، كان قبر نبي أو صالح سواء سميت [مشاهد] أو لم تسم.
وقد شرع الله ورسوله في المساجد دون المشاهد أشياء، فقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: 114] ، ولم يقل: في المشاهد. وقال تعالى: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ولم يقل: في المشاهد، وقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 29] ، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18] ، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صلاة الرجل في المسجد تفضل على صلاته في بيته وسوقه بخمس وعشرين ضعفا "، وقال صلى الله عليه وسلم: " من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً
الصفحة 181
402