كتاب منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس

يخطب، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلّم قائما، ثم قال: "يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السُّبُل. فادع الله سبحانه أن يغيثنا. قال: فرفع الرسول يديه ثم قال: اللهم أغثنا. قال أنس: فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزع، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار إلا طلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً. قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، والنبي صلى الله عليه وسلّم قائم يخطب، فاستقبله، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يمسكها عنا، قال: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: " اللهم، حوالينا ولا علينا اللهم على الآكَام والظِّرَاب وبُطُون الأودية ومَنَابِت الشجر ". قال: وأقلعت فخرجنا نمشى في الشمس". ففي هذا الحديث: أنه قال: "ادع الله لنا يمسكها عنا". وفي الصحيح: أن عبد الله بن عمر قال: "إنى لأذكر قول أبي طالب في النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول:
وأبيض يُسْتَسقى الغَمام بوجهه ... ثِمَال اليتامى عِصمة للأرامل.
فهذا كان توسلهم به في الاستسقاء ونحوه. ولما مات توسلوا بالعباس رضي الله عنه كما كانوا يتوسلون به، ولم يتوسلوا به ويستسقوا به بعد موته، ولا في مغيبه ولا عند قبره، وكذلك معاوية بن أبي سفيان استسقى بيزيد بن الأسود الجُرَشى، وقال: "اللهم إنا نستشفع إليك بخيارنا. يا يزيد، ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ودعا، ودَعْوا، فسقوا ". ولذلك قال العلماء: يستحب أن يستسقى بأهل الصلاح والخير، فإذا كان من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحسن. ولم يذكر أحد من العلماء أنه يشرع التوسل والاستسقاء بالنبي والصالح بعد موته ولا في مغيبه، ولا استحبوا ذلك في الاستسقاء، ولا في غيره من الأدعية. والدعاء مُخُّ العبادة، والعبادة مبناها على النية والاتباع، وإنما يعبد الله بما شرع، لا يعبد بالأهواء والبدع، قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] ، وقال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور ".

الصفحة 186