كتاب منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس

وعبودية. وكل من عبد شيئاً فقد اتخذ إلهاً. فإن كان قصد غير الله بالطّاعة والهيبة والإجلال والمحبة والخوف والرجاء، والتوكل والسؤال والدعاء لا يصيره إلها، فإن هذا وهم للخوارج المكفرين لهذه الأمة فليهن قوم نوح وعاد وثمود، وقوم فرعون ومشركي أهل الكتاب والعرب هذا الحكم الذي نفى به العراقي عنهم اتخاذ إله مع الله، ولو صدر منهم ما صدر من العبادات لغير الله، الله أكبر. ما أغفل هذا العرقي وما أجهله. فإن عوام المشركين من أهل الكتاب والأميين يعلمون أن من عبد شيئاً فقد اتخذه إلها. قال قوم نوح: {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} [نوح: من الآية23] ، وقالت عاد: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ} [لأعراف: من الآية70] ، ,قالت قريش: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [صّ: من الآية5] ، فكل هؤلاء المشركين وأمثالهم يعلمون أن الإلهية تدور مع هذه العبادات حيث دارت. وهذا الثور الكبير يقول: لا يلزم أن هذه الأشياء إذا استعملت في غير الله أن يكون هذا الغير إلها، فعلى عقله التباب والعفاء، وسلام على عباده الذين اصطفى.
وأما قوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة: من الآية92] فطاعة الرسول طاعة للمرسل، فهي طاعة لله من أجل الطّاعات. قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: من الآية7] وكذلك ألو الأمر من العلماء والأمراء، إذا أمروا بالمعروف يطاعون تبعاً لطاعة الله ورسوله.
وأما التعزير والتوقير فالمقصود منه ما يليق بالمنصب الشريف النبوي، وليس المقصود ما يختص بمقام الربوبية، ويدخل في تعريف العبادة، ولو قيل ذلك للزم جواز عبادته صلى الله عليه وسلّم، والله تعالى يقول: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً} [آل عمران: من الآية80] والأرباب هنا هم المعبدون.
وقوله: فإنه اصطلاح لابن تيمية وذويه ـ يطلعك على جهل العراقي وعدم معرفته بنصوص أهل العلم؛ فإنّ هذا التعريف مجمع عليه لا ينازع فيه مسلم فضلاً عن عالم.
ثم قال العراقي: النقل الرابع والثلاثون: قال ابن القيم في المدارج:

الصفحة 261