كتاب منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس

"قلت: أما المستحل فذنبه دائر بين الكفر والتأويل، فإنه إن كان عالماً بالتحريم فكافر، وإن لم يكن عالماً فمتأول أو مقلد".
والجواب: إن هذا تقدم، فذكره محض تكرير، وتقدم أن الكلام في الأحكام التي يحكم بها الحكام بين الناس، فالمستحل للحكم بغير ما أنزل الله كافر إن كان عالماً بالتحريم، وإلا فمتؤول أو مقلد، وهذا القسم فيه تفصيل كما تقدم فيما نقلناه عن ابن القيم نفسه رحمه الله.
ثم قال العراقي: النقل الخامس والثلاثون في الكتاب المذكور: "وكفر الجحود كفران: كفر مطلق، ومقيد خاص، فالمطلق أن يجحد جملة ما أنزل الله ورسالة الرسول، والخاص المقيد: أن يجحد فرضاً من فروض الإسلام، أو محرماً من محرماته، أو صفة وصف الله بها نفسه، أو خبراً أخبر الله به يجحد ذلك عمداً، أو تقديماً لقول متبوعه عليه، لغرض من الأغراض، وإن كان جحد ذلك جهلاً أو تأويلاً يعذر صاحبه فلا يكفر، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، مع هذا فقد غفر له الله ورحمه بأهله، إذ كان الذي فعل هو مبلغ علمه. ولم يجحد قدرة الله على إعادته عناداً وتكذيباً.
والجواب أن يقال:
هذا من جنس ما قبله، وقد تكرر الجواب عنه، وتقدم أن الجاهل والمتأول لا يعذر إلا مع العجز، ولذلك قيده الشيخ ابن القيم بقوله: تأويلاً يعذر صاحبه، فليس كل تأويل وكل جهل يعذر صاحبه. وليس كل ذنب يجري التأويل فيه ويعذر الجاهل به، وقد تقدم أن عامّة الكفار والمشركين من عهد نوح إلى وقتنا هذا جهلوا وتأولوا، وأهل الحلول والاتحاد كابن عربي وابن الفارض والتلمساني وغيرهم من الصوية تأولوا، وعبّاد القبور والمشركون الذين هم محل النزاع تأولوا، وقالوا: لا يدخل على الملك العظيم إلا بواسطة، وقالوا إذا تعلقت روح الزائر بروح المزور فاض عليها مما ينزل على روح المزور، كما ينعكس شعاع الشمس على المرايا والصور.

الصفحة 262