كتاب منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس

قدرته وتعلقها بأفعال عباده من طاعتهم ومعاصيهم، فأخرجها عن قدرته ومشيئته خلقه، وجعلهم يخلقون لأنفسهم ما يشاءون بدون مشيئة الرّب تبارك وتعالى، فيكون فى ملكه ما لا يشاء، ويشاء مالا يكون تعالى الله عزّ وجلّ عن قوله أشباه المجوس علواً كبيراً، وكذلك ما قدره حق قدره من قال: إنه يعاقب عبده على مالا يفعله العبد ولا له عليه قدرة ولا تأثير له فيه البتة، بل هو نفس فعل الرّب جل جلاله، فيعاقب عبده على فعله هو، وهو سبحانه وتعالى الذي جبر العبد عليه، وجبره على الفعل أعظم من إكراه المخلوق المخلوق. فإنّ من المستقر في الفطر والعقول أن السيد لو أكره عبده على فعل أو الجأه إليه، ثم عاقبه عليه لكان قبيحا فأعدل العادلين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين كيف يجبر العبد على فعل لا يكون للعبد فيه صنع ولا تأثير، ولا هو واقع بإرادته، بل ولا هو فعله البتة، ثم يعاقب عليه عقوبة الأبد؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وقول هؤلاء شر من أشباه المجوس. والطائفتان ما قدروا الله حق قدره. وكذلك ما قدره حق قدره من لم يصنه عن بئر ولا حش ولا مكان يرغب عن ذكره، بل جعله فى كل مكان وصانه عن عرشه أن يكون مستوياً عليه، يصعد إليه الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وتعرج الملائكة والروح إليه، وتنزل من عنده ويدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فصانه عن استوائه على سرير الملك، ثم جعله فى كل مكان يأنف الإنسان، بل غيره من الحيوان أن يكون فيه. وما قد الله حق قدره من نفى حقيقة محبته ورحمته ورأفته ورضاه وغضبه ومقته، ولا من نفي حقيقة حكمته التي هي الغايات المحمودة المقصودة بفعله، ولا من نفى حقيقة فعله ولم يجعل له فعلا اختياريا يقوم به أفعال منقولات منفصلة عنه. فنفي حقيقة مجيئه وإتيانه واستوائه على عرشه وتكليمه موسى من جانب الطور، ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده بنفسه إلى غير ذلك من أفعاله وأوصاف كماله التي نفوها وزعموا أنهم بنفيها قدروه حق قدره.
وكذلك لم يقدره حق قدره من جعل له صاحبة

الصفحة 290