كتاب منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس

العلم والفتوى، ومن قال بوقوع ذلك من آدم وحواء نفى القول بالعصمة مطلقاً {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه:115] .
ثم في عبارة العراقي من الهجنة وسوء التعبير ما يقضي بأنه أسوأ الذرية وأقلهم أدباً مع الأب الأول الأكبر، كيف يقول: ورد إطلاق الشرك في حق آدم، والله تعالى يقول: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} [لأعراف: من الآية190] ، والعراقي جاهلي اللسان أغلف الجنان، والله سبحانه لم يذكر آدم باسمه العلم رحمة منه وتشريفاً له، ولبنيه من صالح الأمم، بل أتى بالضمير الدال على التثنية وفرق بين ذلك وبين الأفراد في مثل هذا المقام، ولم يطلق الشرك بل قيده بقوله: {فِيمَا آتَاهُمَا} ، والعراقي يقول: أطلق الشرك، فافهم ما في كلامه من الكذب على الله، وبهت أبيه آدم وعقوقه.
وأما قوله قال البغوي: "كقول الرجل لضيفه: أنا عبدك، وليس الشرك الضار".
أقول في جوابه: قد جنى هذا العراقي على البغوي جناية لا تقال عثرتها، ولا جبار لجرحها، أخذ كلامه وحرفه وأخرجه عن نسقه ونظامه، والبغوي أجل من أن يقول لشيء من الشرك: "ليس بضار بالاتفاق"، هذه لا تصدر عمن يعقل ما يقول فضلا عن الأكابر الفحول، وعبارة البغوي نصها: "أي جعلا له شريكاً إذ سمياه عبد الحارث ولم يكن هذا شركاً في العبادة، ولا أن الحارث ربهما، فإن آدم كان نبياً معصوماً من الشرك، ولكن قصد إلى أن الحارص ربهما. فإن آدم كان نبيّاً معصوماً من الشرك، ولكن قصد إلى أن الحارث كان سبب نجاة الولد وسلامة أمه، وقد يطلق اسم العبد على من لايراد به أنه مملوك، كما يطلق اسم الرب على من لا يراد به أنه معبود، كما أن الرجل إذا نزل به ضيف يسمي نفسه: عبد الضيف على وجه الخضوع لا على أن الضيف ربه، ويقول للغير: أنا عبدك، وقول يوسف عليه السلام لعزيز مصر: إنه ربي، لا يراد به أنه معبوده، وكذلك هذا" انتهى.
وحاصله أن الحقيقة لم تقصد، وإنما هو على سبيل التواضع، هذا

الصفحة 317