- وفي رواية: «بعث رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم عشرة رهط سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأَنصاري، جد عاصم بن عمر، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة، وهو بين عُسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل، يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا لهم قريبا من مئتي رجل، كلهم رام، فاقتصوا آثارهم، حتى وجدوا ماكلهم تمرا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فاقتصوا آثارهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق، ولا نقتل منكم أحدا، قال عاصم بن ثابت، أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصما في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم خبيب الأَنصاري، وابن دثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن في هؤلاء لأسوة، يريد القتلى، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى، فقتلوه، فانطلقوا بخبيب، وابن دثنة، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا.
فأخبرني عُبيد الله بن عياض، أن بنت الحارث أخبرته، أنهم حين اجتمعوا، استعار منها موسى يستحد بها، فأعارته، فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه، قالت:
⦗٦٥٦⦘
فوجدته مجلسه على فخذه، والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، والله ما رأيت أسيرا قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يوما ياكل من قطف عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد، وما بمكة من ثمر، وكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيبا، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها، اللهم أحصهم عددا؛
وما أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشا ... يبارك على أوصال شلو ممزع