كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 33)

فصل:
لا عصمة لأحد إلا في الكتاب والسنة والإجماع، والسنة: الطريقة، وقسمها ابن بطال إلى واجب وغيره، فالأول: ما كان تفسيرًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفرض الله، وكل ما أمر به أو نهي عنه أو فعله فهو سنة، ما لم يكن خاصًّا له.
والثاني: ما كان من فعله تطوعًا ولا يحرج أحد في تركه كإجابة المؤذن، وكقوله: "لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا" (¬1).
وأكثر الصحابة كان لهم ضياع، فدل علي أنه أدب منه نستعين به علي دفع الرغبة في الدنيا، ومثل ذلك مما أمر به تأديبًا لأمته بأكرم الأخلاق من غير أن يوجب ذلك عليهم، ومن ذلك ما فعله في خاصة نفسه من أمر الدنيا كاتخاذه لنعله قبالين، ولبسه النعال السبتية، وصبغه إزاره بالورس، وحبه القرع، وإعجابه بالطيب، وحبه من الشاة الذراع، ونومه على الشق الأيمن، وسرعته في المشي، وخروجه يوم الخميس في السفر، وقدومه منه في الضحى وشبه ذلك، فلم يسنه لأمته ولا دعاهم إليه، ومن تشبه به حبًّا له كان أقرب إلي ربه كفعل ابن عمر - رضي الله عنهما - في ذلك (¬2).
وقال أبو بكر بن الطيب: ما كان من أفعاله بيانًا (لجملة) (¬3)
¬__________
(¬1) رواه الترمذي (2328)، وأحمد 1/ 377، والطيالسي 1/ 297 (377)، وأبو يعلى 9/ 126 - 127 (5200)، وابن حبان 2/ 487 (710)، والحاكم 4/ 322. كلهم من حديث ابن مسعود، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم، والألباني في "الصحيحة" (12).
(¬2) "شرح ابن بطال" 10/ 328 - 329.
(¬3) كذا بالأصل، وبهامشها (بجبلة)، وفي "شرح ابن بطال": (لمجمل كالصلاة والصيام ..).

الصفحة 12