وصف كلامه تعالى القائم بذاته بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث، وإذا كان ذلك كذلك كان الذكر الموصوف في الآية بأنه محدث راجعًا بأنه الرسول - عليه السلام -؛ لأنه قد سماه الله تعالى ذكرًا في آية أخرى، فقال تعالى: {قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا} [الطلاق: 10، 11]، فسماه ذكرًا في هذِه الآية، فيكون المعنى: ما يأتيهم رسول، ويحتمل أن يكون الذكر هنا هو وعظ الرسول - عليه السلام - وتحذيره إياهم من المعاصي؛ فسمي وعظه ذكرًا، وأضافه إليه تعالى إذ هو فاعل له ومقدر رسوله على اكتسابه.
وقال بعض المتكلمين في هذِه الآية: إن مرجع الإحداث إلى الإتيان لا إلى الذكر القديم؛ لأن نزول القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان شيئًا بعد شيء فكان يحدث نزوله حينًا بعد حين، ألا ترى أن العالم (يعلم) (¬1) ما لا يعلمه الجاهل فإذا علمه الجاهل، حدث عنه الحكم، ولم يكن إحداثه عند المتعلم إحداث عين (العلم) (¬2).
وقد ظهر بما قررناه الرد على من ادعي خلق القرآن حيث قالوا: المحدث هو المخلوق، وقد قررناه أن الذكر (في القرآن) (¬3) منصرف إلى الرسول، وينصرف أيضًا إلى العلم، ومنه: قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] وإلى العظمة، ومنه {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} [ص: 1] أي: العظمة، وإلى الصلاة ومنه: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة: 9] وإلى الشرف ومنه: {وَإِنَّهُ
¬__________
(¬1) في الأصل: لم يعلم.
(¬2) في (ص1): المعلم.
(¬3) من (ص1).